رصاص وضرب مبرح.. هل بدأت فرنسا تفقد السيطرة على عناصر الشرطة

21 يوليو, 2023 - 17:31

قال مكتب المدعي العام في مرسيليا الفرنسية إن أربعة من ضباط الشرطة سيُقدّمون إلى القاضي لتوجيه الاتهام إليهم، وذلك على خلفية إطلاقهم النار على الشاب هادي (22 عاما) بداية الشهر، وضربه ضربا مبرحا وتركه على قارعة الطريق وهو يصارع الموت.

فيما استنكر كثيرون إقدام زملاء هؤلاء الضباط على استقبالهم بالتصفيق الحار تأييدا لهم، ووصفوا هذا الترحيب بأنه "فعل شنيع"، بدا وكأنه شعور بالإفلات من العقاب يغزو مهنة الشرطة غير قابل للتفسير.

اقرأ أيضا
دعوات في فرنسا لمسيرات "غضب" ضد عنف الشرطة وباريس تعترض على تصريحات أممية

فرنسا ترحل حقوقيا بريطانيا مسلما بدعوى "تهديد السلم المجتمعي"
l
ونقل موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي -في تقرير له- عن الضحية الشاب هادي، قوله ورأسه مغطى بالضمادات: إن عناصر الشرطة "أطلقوا النار عليّ وضربوني ثم تركوني أنازع الموت على الأرض".

وقد أوقفت إدارة الشرطة الوطنية 8 ضباط من كتيبتين مختلفتين من شرطة مكافحة الجريمة بعد أسبوعين من الحادث، إلا أن مكتب المدعي العام في مرسيليا أشار إلى أن أربعة من هؤلاء المسؤولين سيقدّمون إلى قاضي التحقيق لتوجيه الاتهام إليهم، وقد طلب إيداعهم في الحبس الاحتياطي.

مشهد وحشي:
وفتح مكتب المدعي العام في مرسيليا تحقيقا قضائيا بشأن "العنف الجماعي لأشخاص يمارسون سلطة عمومية"، وأبدت ليلى والدة هادي سعادتها باعتقال هذه المجموعة، وقالت -بحسب تقرير ميديا بارت- "إنّ الأمر يسير في الاتجاه الصحيح، أظنّ أن لديهم معطيات بفضل الكاميرات، نحن نثق في العدالة".

ووصف جاك أنطوان بريزيوسي محامي الشاب ما حدث بأنه "مشهد من الوحشية"، حيث تعرض خمسة أو ستة أشخاص مجانين لاثنين من الفتية بالضرب والاعتداء، لافتا إلى أنهم موظفون حكوميون في الدولة الفرنسية، وأضاف "نحن ننتظر إجراء التحقيق وإحقاق العدالة، وتحديد هوية هؤلاء الأشخاص ومحاكمتهم"

رصاص وسحل:
وقال هادي إنه غادر المطعم بمفرده بالسيارة نحو مرسيليا للانضمام إلى بعض الرفاق في الميناء القديم، والتقى بصديقته وواصلا السير معا، لكنهما لقيا عند أحد التقاطعات رجالا من فرقة مكافحة الجريمة. وتابع "أتذكر هراواتهم وسلاح خدمتهم. قلنا لهم مساء الخير، لكن سرعان ما فهمنا أنهم كانوا غاضبين"، وبحسب رواية هادي، لم ترد الشرطة على التحية، بل أمسكته بينما نجحت صديقته في الهرب.

يقول هادي إنه رأى شرطيا يطلق النار على رأسه، ثم جرّوه على الأرض حوالي 10 أمتار، ثم جثا أحد الرجال على رجليه لشل حركته في حين ضربه الآخرون. يقول "أتذكر العصا والدم يسيل على وجهي من جرح في رأسي"، وذكر أن الأمر استمر خمس دقائق، حيث توسل للشرطة بالتوقف: "كنت أصرخ بأنني لطيف، وأن لدي أوراقي، وأن بإمكانهم أن يفتشوني ليروا أنه ليس لدي أي شيء خطير، لكنهم لم يريدوا التوقف".

وبعد أن تركه رجال الشرطة، حاول هادي النهوض والركض لكنه انهار. وحاول الاتصال بصديقته التي نقلته مع صاحبي بقالة إلى المستشفى، ولم يتم إبلاغ والديه إلا في اليوم التالي عندما طلب منهم الدرك الاتصال بالشرطة وأخبروهم "إنه أمر خطير للغاية". تقول والدته: و"عندما اتصلنا بهم، أخبرونا أنه في مستشفى بعد أن أصيب في رأسه. وطلبوا منا الحضور في أسرع وقت ممكن".

ويصف الوالدان كيف تأخرت رؤية ولدهما في المستشفى، وكيف قال الأطباء إن بقاءه على قيد الحياة معجزة. وقد اضطر الأطباء إلى إزالة جزء من جمجمته لتصريف الدم الموجود بين الدماغ والجمجمة، مع فك مكسور، وعين يسرى متورمة لا تكاد تستعيد الرؤية.

احتفاء بالمشتبه بهم:
وتحدث موقع ميديا بارت -في تقرير آخر- عن مشهد ضباط شرطة يصفقون ويحتفون بأصدقائهم المشتبه في ارتكابهم أعمال عنف ضد الفتى هادي، في مشهد وصفه الموقع بأنه تصفيق للعار يشبه البصق في وجه الضحية، ويمثل شعورهم المتزايد بالإفلات من العقاب.

وتساءل التقرير كيف يمكن فهم أن يجرؤ ضباط الشرطة الذين يجب عليهم التحفظ وإعطاء المثال الحسن، على إظهار مثل هذا الدعم؟! وكيف يفسر هذا الشعور بالإفلات من العقاب الذي يغزو هذه المهنة بشكل متزايد؟! مشيرا إلى ما تعودته الشرطة من تشكيك في روايات الضحايا وتجرميها لهم.

وذكّر التقرير بقول أحد الشرطة للفتى نائل (17 عاما) "لن ندعك تذهب"، ملحّا على أن هناك طبقة سياسة ساندت آراء صرّحت بأن الضحية نائل كان عليه أن يتوقف كي لا يلقى حتفه.

فقدان السيطرة:
وأشار التقرير إلى أن وزير الداخلية جيرالد دارمانين يغضب من الحديث عن عنف الشرطة، وأن مدير شرطة باريس يكرر أنه لا "عنصرية" في الشرطة ويرفض إدانة جمع التبرعات للشرطي الذي قتل الفتى نائل.

وكشف تقرير ميديا بارت أن تحدي الضباط للعدالة أمام مبنى الشرطة ودعمهم لزملائهم يبدو أنه أمر "مرخص له"، وتساءل "في أي مهنة -غير الشرطة- يدعم الناس زملاءهم بهذه الطريقة، هل يمكننا تخيل أن يقدّم مثل هذا الدعم الصريح لمقدمي رعاية يشتبه في ضربهم كبار سنٍّ في دور رعاية المسنين أو لمعلمين تركوا الطلاب ليموتوا؟".

وخلص التقرير إلى أن هذا المشهد يوضح أن السيطرة على مهنة الشرطة تفقد شيئا فشيئا، على الرغم من أن جميع التحقيقات سلطت الضوء على عنصرية الشرطة المنهجية وعنفها