إضطراب الشخصية الحدية

7 سبتمبر, 2021 - 23:31

إضطراب الشخصية الحدية..!! في سنة 1932 لاحظ بعض الأطباء تقلبات غريبة وتصرفات خطيرة وغير مفهومة وغير معهودة عند بعض البنات ،مادفعهن لدراسة الظاهرة وقد تعمق الأمر منتصف القرن الماضي حتى أثمر ظهور مايسمى ب إضطراب الشخصية الحدية أو البينية، وأصل التسمية راجع إلى أنها شخصية بين منطقة الذهان(الإضطرابات العقلية) ومنطقة العصاب(الاضطرابات النفسية ). هو اضطراب في الشخصية عندما تخبر طبيبا نفسيا أنه يوجد مريض مصاب به سوف يفهم ان عملا شاقا وجادا ينتظره في المستقبل. يصيب مانسبته 2%من عموم السكان وهو أكثر في النساء بنسبة تصل 78%والباقي يصيب الذكور. هو اضطراب يتميز بهذه المميزات الرئيسية التقلبات المزاجية العالية والشديدة. اضطراب هوية مربك وحاد ومؤذي لنفسية المريض اندفاعية شديدة وانفعالية زائدة. هذه الشخصية تميل إلى حالة من تقلبات المزاج عجيبة ،قد تكون خلال اليوم وقد تكون خلال أيام،ومن الأسباب التي جعلتها تكثر عند النساء أن حركية الهرمونات عند المرأة أكثر من الرجل، هذه الشخصية ممكن تجدها في الصباح نشطة فرحة وفي المساء حزينة أو عصبية. تعرف حالة من الحساسية المفرطة التي قد تجعلها توقف النقاش من أول كلمة لم ترق لها، وتقلب الدنيا رأسا على عقب بفعل تصرف لم يناسبها. هي شخصية لاتعرف منطق الوسطية، ترى الألوان بمنطق الأبيض والأسود ، والخير المطلق أو الشر المطلق وعلى هذا الأساس تبني تعاملها مع الآخر وتحكم عليه. في العلاقات تعيش حالة من عدم الإستقرار لا مثيل لها ،وعندما اتحدث عن الإستقرار فإنني أقصد القدرة على الحفاظ على علاقات صداقة ثابتة أو علاقات عاطفية دائمة،كذلك تطال تلك الحالة مجالها العملي أو الدراسي فتجدها تغير العمل والدراسة. هذه الشخصية تتميز باندفاعية شديدة وانفعال مبالغ فيه ،فعندها يسبق الفعل التفكير وبالتالي فهي غالبا ما تقوم بأفعال متهورة بعيدة من الحكمة والتبصر ،وقد تكون خطيرة جدا ،لاتعرف منطق ( لا يمكنني أن افعل هذا..او هذا تصرف غير قابل للفعل) ،فتجد مثلا المصاب بها ،يقبل تعاطي المخدرات خلال جلسة مع بعض رفقاء السوء وقد يقبل بسفر فيه مغامرة غير محسوبة المخاطر. لدى أصحابها تحولات عنيفة في التعلق والنفور وردود الأفعال لديهم تبقى عنيفة جدا، سواء في الحب أو الكره ، فيمكن لهم ان يحظى أحد منهم بالتقدير العالي وبعد ذلك ينعكس الأمر كليا، فعندما تحبك زوجتك المصابة ، فأنت صرت عالمها وستبحث عنك وعن قربك طوال الوقت ،تتصل ترسل رسائل وقد تتنقل إليك في مكان العمل ،أنت بالنسبة لها صرت كل شيء ، وعندما تكرهك قد تؤذيك بكل الطرق مهما كانت عنيفة ،تجدهاتصرخ عليك في الشارع وتتشاجر معك بالعمل وتسبك بالهاتف، ومع ذلك فلديهم خوف شديد من أن يتخلى عنهم المقربون من الأهل والمعارف. صاحب هذه الشخصية يعيش اضطرابا شديدا في الهوية فهو لا يعرف ماذا يريد من نفسه ومن الآخر ومن مستقبله ومن حياته ومن نجاحه ومن المحيطين به، وهذا ما يفسر عشوائيته الشديدة في اتخاذ القرارات واختيار المسارات والتي في غالبيتها خاطئة، مهما كانت متعلقة باشخاص او عمل أو دراسة. كما لايعرفون ابدا منطق الخطوات المحسوبة والمدروسة والتفكير في العواقب ، حس المخاطرة لديهم عالي المنسوب و الرغبة في المغامرة حاضرة دوما. هي شخصية تعيش دوما نوعا من الفراغ الداخلي وهو ما ينعكس سلبا على علاقاتها بالآخرين كما يؤثر على منظومة الأفكار والمشاعر والمسلكيات لديها. الشخصية الحدية تعاني جدا في ما يتعلق بتقدير الذات مع نفسها ومع الآخر..وتعاني كذلك في صورتها التي رسمتها عن نفسها وعن الآخر، هذا التناقض المربك هو جزء رئيسي مميز لها. تكوين الشخصية الحدية له عدة أسباب، منها الوراثي ولذلك نجدها شائعة عند الأقارب من الدرجة الأولى،و هي شخصيات غالبا ماتكون قد تعرضت لطفولة قاسية أوحالات من الإيذاء والإعتداء الشديدة ، سواء كانت جسدية ولفظية وجنسية ، تعرضت كذلك لحرمان من الحنان والعاطفة ومن التشجيع والتحفيز الإيجابي من طرف الأبوين ، خصوصا في عمر 8سنوات لأنها فترةحساسة جدا عند الطفل ، وهي الفترة التي يُكَون فيها الطفل صورة عن ذاته وبالتالي فمن كان أهله يصفونه بالفاشل والسيء ،سوف تنطبع تلك الصورة السلبية في ذهنه عن نفسه ويصدقها ويعمل وفق مقتضاها رغم أنه قد يكون عكس ما يظن عنها. هنالك نظريات تحدثت عن وجود اضطرابات في النواقل العصبية الأساسية لتناسق الافكار والمشاعر والمسلكيات وتناغمها بشكل سليم، وهو راجع إلى حدوث تغييرات هيكلية في بنية الجهاز العصبي والدماغ تحديدا. المشكلة الحقيقية عند مرضى هذه الشخصية أنهم يفتقدون لحزء أساسي ومهم جدا للإنسان لكي يكون قادرا على ضبط انفعالاته وتسييرها و بالتالي القدرة على ضبط العلاقات بشكل متزن،هذا الجزء هو المرونة، لأنهم عندما يحبون شخصا فهو ملاك لايخطىء ولايمكن أن يقوم بأي تصرف يخالف هواهم، وعندما يفعل أبسط خطأ يتحول إلى شيطان مارد يستحق كل الكره والتعامل القاسي والجارح في بعض الأحيان. لايستطيع اصحاب هذه الشخصية فهم أن الإنسان الجيد يمكن أن يمر بظروف صعبة جعلته يقوم بتصرف خاطىء ولكن ذلك لايعني أنه سيء بالمطلق وانه سيظل دوما كذلك ،بل سوف يعود لطبيعته الطيبة بعد زوال الظروف القاهرة ، و هذا ما جعلهم فاشلون في ضبط جانب العلاقات لديهم،لذلك تكثر حالات الطلاق لديهم فالزوج جميل طيب ومحبوب ولكنه عند الخطأ هو عكس ذلك ويجب تركه، المؤلم انهم عندما يطلبون الفراق هم في الحقيقة يطلبون التمسك بهم وهو ما لايُفهم على حقيقته وبالتالي يشعرون بمرارة وحزن شديدين بعد ذلك. ولذلك تجدهم دوما ما يقومون بمحاولات لإيذاء النفس من قبيل جرح اطرافهم كاليدين والذراعين بآلات حادة محدثين جروحا عديدة على سطح الجلد أو حتى القيام بمحاولات انتحار وكل هذا يهدف إلى لفت الإنتباه واطلاق صرخات الاستغاثة للمحيط،وقد تحصل عقب موقف لم يرق لهم بسبب تلك الإندفاعية الشديدة. علاجهم بالجلسات النفسية والتي نلجأ فيها لبعض الطرق العلاجية مثل العلاج الجدلي لتغيير منطق الأبيض والأسود والخير والشر عندهم و العلاج المعرفي السلوكي لتنظيم افكارهم وضبط مشاعرهم ومسلكياتهم والعلاج العقلاني لتعزيز قدرات التفكير المتزن قبل إتخاذ الفعل عندهم ، ثم علاج دوائي وهو مرتبط بطبيعة الاعراض المميزة للحالة. هذه الفئة تعاني وتعيش ألما معنويا لايمكن وصفه وصراعا داخليا صعبا ولذلك يحتاجون إلى أن نتعامل معهم بكل لطف وحنان وتفهم واحتواء...قبل أسبوع سألت فتاة محجوزة بالمشفى للعلاج عن سبب جرحها لذراعها،فقالت لي أنا أعيش ألما داخليا معنويا محسوسا شديدا ولذلك أقوم بتقطيع ذراعي لأشعر بألم جسدي ملموس وهكذا أنسى للحظات شدة الألم المعنوي الذي يصاحبني...صدقوني هزتني كلماتها بشدة ولكم أن تتخيلوا حجم المعاناة التي أبانت عنه هذه الكلمات...كان الله في عون هذه الفئة الصابرة وجبر خواطرهم ورزقهم طمأنينة ما بعدها شقاء.. الدكتور / محمد فاضل ولد أگوهي أخصائي أمراض نفسية