سحب فرنسا لجنودها في مالي: معارضو تدخلها يرحبون ومعارضو الإرهاب قلقون

13 يونيو, 2021 - 09:43

تأرجحت في مالي ودول الساحل بين الترحيب والقلق والتشكيك، المواقف التي قوبل بها قرار الرئيس الفرنسي ماكرون الذي اتخذه الخميس، والمتعلق بسحب متدرج سيتواصل من الآن وإلى عام 2023، لنصف القوات الفرنسية المرابطة من مالي.
وفوجئت حكومة الانقلاب في مالي بهذا القرار الذي اتخذ في وقت تتجه فيه هذه الجمهورية كالسهم يوما بعد يوم، نحو وضعية “الدولة الفاشلة”. وكان القرار الذي اتخذته حكومة باريس بعد الانقلاب يوم الثالث حزيران / يونيو الجاري بخصوص تعليق تعاون التعاون العسكري الثنائي بين مالي وفرنسا، إشارة إنذار من السلطات الفرنسية التي وضعت العقيد أسيمي اغويته تحت المراقبة منذ تنفيذه ثاني انقلاب عسكري في بلاده، يوم 24 أيار/ مايو الماضي.
وعلى مستوى جهاز الدولة في مالي، فقد كان متوقعا أن ينتهز الرئيس ماكرون ثاني انقلاب ينفذ في مالي بعد تسعة أشهر من تنفيذ انقلاب آخر، ليسرع باتخاذ قرار ما حول الوجود العسكري في مالي.
وأعلن ماكرون في نجامينا قبل شهرين عن عزمه تقليص جنود عملية “برخان”، لكن إعلان ماكرون يوم العاشر حزيران/ يونيو عن بدء عملية التقليص في الحادي عشرمن يونيو، شكل مفاجأة مربكة أقلقت السلطات التي لا تزال ملتزمة الصمت.
ويرى العقيد اغويته ورئيس وزرائه شوغل مايغا أنهم أعطوا للمجموعة الدولية ضمانات كافية لاحترام الجدولة الزمنية الخاصة بالمرحلة الانتقالية الممتدة إلى شباط / فبراير 2022.
فقد أعدت في باماكو خريطة طريق ترسم الملامح الأساسية للعمل الحكومي بما يضمن احترام الالتزامات المتخذة، ستعرض من هنا إلى أواخر تموز / يوليو الجاري، وسيجري تعيين حكومة مدنية بشكل موشع عما قريب.
ويجري هذا تابعا لمواقف رؤساء الدول المجاورة لمالي الذين “هنأوا” بل “شجعوا” سلطات الانقلاب. وانتقد الرئيس ماكرون تلك المواقف في تصريحات يوم الخميس مؤكدا “أنه من العيب الاعتراف بجندي انقلابي”. وقد قوبلت هذه التوصيفات باستياء كبير في باماكو، شأنها شأن حديثه عن الخط الأحمر المتعلق باحتمال فتح مفاوضات مع الجهاديين المسلحين.
وعلق إبراهيم انجاي رئيس الوزراء المالي السابق على تصريحات ماكرون قائلا “على الرئيس الفرنسي أن يضبط تصريحاته، لأن الماليين قد يفهمونها على أنها تدخل في الشأن الداخلي المالي”.
وكان خطاب الرئيس ماكرون في قمة مدينة بو الفرنسية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 قد قوبل باستياء كبير في الأوساط لدى الأوساط المالية المعارضة للوجود العسكري الفرنسي في مالي.
وبعد ثماني سنوات من التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وبالنظر للنتائج الزهيدة لهذا التدخل، فإن أعدادا كبيرة من الشعب المالي تحمل فرنسا المسؤولية عن توسع الإرهاب في الأراضي المالية. ويؤكد أحد نشطاء حركات التحرر في شمال مالي الموقعة على اتفاق المصالحة في الجزائر لعام 2015 “أن سكان باماكو لم يشهدوا الحرب لذا نراهم يصيحون بمغادرة فرنسا، لكن عليهم، حسب قوله، أن يفهموا أن نهاية مالي ستكون في اليوم الذي تغادر فيه قوة “برخان” الأراضي المالية، فسوف تهجم الحركات الجهادية على المدن وسوف تحتلها، كما وقع في حرب 2012″. ويساور بعثة الأمم المتحدة في مالي قلق كبير وفقا لما أعلنه رئيسها القاسم وان، الذي قال “تعليق التعاون الفرنسي مع مالي ستنجم عنه زيادة كبيرة لمهام البعثة الأممية، ونحن نتوقع أن تواجه قوات البعثة ضغوطا كبيرة”.
والواقع أن بعثة الأمم المتحدة التي ليس من مهامها محاربة الإرهاب، تخشى استهداف قواتها التي تعرضت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لأربعة عشر هجوما مسلحا. ويتخوف ديبلوماسيون يعملون في العاصمة باماكو من هروب الإداريين المدنيين من مدن الشمال المالي (مثل وجودهم في مواقعهم 14% حسب الأمم المتحدة). ويؤكد أحدهم “أن الأوضاع قد تتجه لانهيار حقيقي للدولة، مع أنه لا شيء يدل على ذلك حاليا، إلا أن كل شيء ممكن أيضا في ظل أوضاع كالتي يمر بها شمال مالي.
يذكر أن قوة “برخان” العسكرية الفرنسية تضم حاليا ما مجموعه 5000 جندي يواصلون منذ ثماني سنوات مواجهة المجموعات الجهادية المسلحة التابعة لتنظيم “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.
ومع أن هذا التدخل قد حقق بعض النتائج على المستوى العسكري، إلا أن الهدف الأهم المتوخى من وراء كل هذا، وهو قيام دولة مالية قوية وديمقراطية، أصبح هدفا بعيد المنال بفعل الفشل المسجل على المستوى السياسي الداخلي.

 

إضافة تعليق جديد