موريتانيا... الموت بحثاً عن المعدن الأصفر

11 سبتمبر, 2020 - 08:38

يخشى منقب الذهب الموريتاني محمد عبد الله ولد سمت، من تردد "الكولابة" الباحثين عن الذهب السطحي على منطقة التنقيب الخاصة به، إذ يتسببون في انهيار آبار التنقيب السطحي عن الذهب، نظرا لعملهم من دون أسس تحفظ حياتهم، فهم لا يستقرون في منطقة واحدة؛ ويتنقلون بين الآبار التي يحفرها منقبون آخرون.

مخاوف ولد سمت لها ما يبررها، إذ عانى من حادثة انهيار بئر عمل به في مدينة الـشامي (260 كم إلى الغرب من العاصمة نواكشوط) في 12 إبريل/نيسان الماضي، ما تسبب في وفاة 3 منقبين في الحال.

في البداية عندما وصله خبر الحادثة ظنّ ولد سمت أن رفاقه الثلاثة الذين شاركوه في رحلة البحث عن حلم الثراء هم الضحايا، لكن بيانات قوات الدرك كشفت أن أحد المتوفين في الحادث تربطه به صلة قرابة، وآخرين لا يعرفهما، قائلا "انهيارات التربة هي أكثر هاجس يؤرقنا كمنقبين، وللأسف الكولابة يتسببون في ذلك".

حوادث قاتلة

لقي 16 منقبا حتفهم في 10 حوادث مختلفة، وقعت في مناجم منطقة تازيازت منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016 حتى 25 مايو/أيار 2017، ويتراوح عدد الضحايا في الحادثة الواحدة بين شخص وأربعة أشخاص، كما هو الحال في حادث 13 فبراير/شباط 2017 بمنطقة ما يعرف بالمجهر 1 التي توفي فيها 4 منقبين دفعة واحدة بحسب بيانات كشف عنها مدير المعادن مدير المعادن بوزارة النفط والطاقة والمعادن المهندس أحمد ولد الطالب محمد، والذي قال لـ"العربي الجديد": "الكولابة اسم يطلق على أطفال يبحثون من خلال عصي مربوطة بمغناطيس عن القطع النقدية المعدنية في محيط الأسواق ومحطات النقل؛ ومع موجة الإقبال غير المسبوق على التنقيب عن الذهب في موريتانيا بات الاسم يطلق على المنقبين المتنقلين الباحثين عن الذهب السطحي"، ومن بين هؤلاء المنقب الأربعيني أحمد ولد علي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "العثور على الذهب  مسألة حظ، إذ يحدث أن تحفر منجماً على شكل بئر، ولا تعثر فيها على شيء، ثم يمر بها منقب آخر، فيجد فيها كمية مهمة من الذهب، وهذا الأمر دفع بالكثيرين إلى التنقل بأجهزة التنقيب بين مناجم حفرها آخرون".

ويرجع المهندس أحمد ولد الطالب سبب معظم حوادث انهيارات التربة إلى إهمال المنقبين لإجراءات السلامة، وهو ما يوافق ما قاله لـ"العربي الجديد"، مصدر أمني (رفض الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريحات الصحافية)، مضيفا أن مجمل حوادث انهيارات تربة مناطق التنقيب المرصودة تقع بين الساعة الثانية والخامسة فجرا، كما أن أغلب الضحايا في مناجم التنقيب عن الذهب من "الكولابة" المتسللين تحت جنح الظلام، لكن أحمد ولد علي يعترض على هذا الاتهام بالقول: "أنا ورفاقي ننقب ليلا عن الذهب، بسبب درجات الحرارة المرتفعة خلال ساعات النهار".

ويستوعب قطاع التنقيب التقليدي عن الذهب في موريتانيا آلاف المواطنين من موريتانيا، وعدة دول عربية وإفريقية أهمها السودان، إذ منحت وزارة المعادن منذ بداية ما بات يعرف إعلاميا بحمى الذهب 5600 رخصة تنقيب خلال ستة أشهر من عام 2016 في الفترة من إبريل/نيسان وحتى أكتوبر/تشرين الأول، وفي الربع الأخير من العام ذاته أصدرت الوزارة 1306 رخص، فيما توقفت وزارة المعادن عن منح رخص التنقيب نهائيا مطلع عام 2017، غير أن كثيرين استمروا في التنقيب وفقا لبيانات وزارة النفط والطاقة والمعادن.

وتصدر وزارة المعادن الرخصة باسم شخص واحد، مقابل دفع رسوم تقدر بـ 106650 أوقية موريتانية أي ما يساوي 300 دولار، ولا يُشترط على صاحب الرخصة أن يكون مواطنا موريتانياً، غير أن ثلاثة أشخاص على الأقل ينقبون برخصة واحدة، نظرا لما تفرضه مشقة العمل من تعاون وفق ما وثقه معد التحقيق مع منقبَين عن الذهب في موريتانيا.

التنقيب التقليدي يتوسع

بلغ إجمالي إنتاج موريتانيا من المعدن الأصفر 4686.175 كيلوغراماً، خلال النصف الأول من العام الماضي، وهو رقم يمكن بناءً عليه التنبؤ بزيادة هامة في الإنتاج خلال 2017، فيما وصل إجمالي الإنتاج في عام 2016 إلى 7125.61 كيلوغراماً وفق أحدث بيانات وزارة المعادن.

ولا تشمل الإحصائيات السابقة سوى إنتاج شركتي نحاس موريتانيا في ولاية إينشري MCM وشركة كينروس في منطقة تازيازت، غير أن تقديرات وزارة النفط والطاقة والمعادن تكشف أن إسهام التنقيب التقليدي الذي تستخدم فيه كاشفات المعادن اليدوية، وتصفية الذهب في المياه سيرتفع خلال العام الجاري ليقارب حدود ثلث الإنتاج الإجمالي الوطني من الذهب المقدر بطنين، وقطعت الحكومة الموريتانية خطوات متقدمة على مسار تقنين الاستغلال المعدني الصغير الذي سيسمح بإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة لاستخراج الذهب بعد أن صادق مجلس الوزراء على قانونه الإطار في 28 سبتمبر/أيلول المنصرم، كما يقول مدير المعادن بوزارة النفط والطاقة والمعادن.
حظر التنقيب
"مع تزايد الإقبال على التنقيب في منطقة تازيازت، تزاديت مخاطره بعد أن راح كثيرون ضحية حلم الثراء، إذ أصبح بعض المنقبين يتجهون إلى مناطق خارجة عن نطاق رخصة التنقيب باتجاه الحدود مع الجزائر تحديداً، بعضها مصنف كمناجم غنية بالذهب، وقضى في هذه المنطقة الصحراوية ثلاثة منقبين عطشا في مايو/أيار الماضي"، الأمر الذي جعل وزارة الدفاع الموريتانية تعلن أن الحدود مع الجزائر، منطقة عسكرية مغلقة يحظر عبورها تحت طائلة التعرض لإطلاق النار من دون سابق إنذار.
وأعادت وزارة الدفاع الموريتانية سبب قرار الحظر إلى صعوبة التمييز بين المواطنين المسالمين وعصابات التهريب على الحدور الموريتانية الجزائرية، وهذا القرار ليس لدوافع أمنية فقط، الغرض منها استهداف عصابات الجريمة فقط، وإنما الحفاظ على أرواح آلاف المواطنين الذين بدأ بريق الذهب يجذبهم إلى تلك الصحراء الواسعة الخالية من أي مظهر من مظاهر الحياة أيضا، إذ لا توجد في تلك المناطق الحدودية سوى نقاط مياه قليلة، تفصل بعضها عن بعض مسافة 600 كم بحسب المهندس أحمد ولد الطالب.

وتسيّر قوات الدرك الوطني بالتنسيق مع وزارة النفط والطاقة والمعادن الموريتانية دوريات في المنطقة، لتوفير الأمن للمنقبين وحمايتهم، كما تعتقل من ينقبون خارج النطاق المسموح به، والذي يقتصر على منطقة آحميم البالغة مساحتها 1790 كيلومترا مربعا، وتصادر أجهزة المخالفين وتسلمها لوزارة المعادن للبت في شأنها، بحسب ما يؤكده المسؤول في وزارة النفط والطاقة والمعادن المختار ولد اعل، قائلا "حلم الثراء عبر التنقيب عن الذهب قد يتحول إلى كابوس قاتل في حال عدم أخذ الاحتياطات المطلوبة".

العربي الجديد

إضافة تعليق جديد