من أجل عبور آمن للمنعطف الحالي

7 يونيو, 2019 - 13:42

الحلقة الأولى

مخطئ جدا من يعتقد أن الانتخابات الرئاسية التي أظلّتنا هي مجرد موسم انتخابي عادي شأنه شأن باقي الاستحقاقات التي عرفتها بلادنا فيما سلف من عمرها الديمقراطي القصير نسبيا وألفت تنظيمها بشكل أضحى شبه منتظم ودوري.
وقاصر - في نظرنا على الأقل - فهمُ نخبتنا السياسية إن لم تسعفها آليات استشعارها السياسي في التقاط تلك الإشارة وقراءة فحواها والبناء على مقتضاها، وهي النخبة التي طالما وصفت بالذكاء والفطنة بل وبالدهاء السياسي.
والواقع أن هناك مراحل فاصلة في حياة الأمم والشعوب تشكل منعطفات مهمة في تاريخها. فهي قد تمثل فرصة لوثبة أو انطلاقة مرحلية قوية لها، إن هي شخصتها وراعت خصوصيتها وحددت متطلباتها ورتبت على ذلك ما ينبغي ترتيبه، وقد تكون في الآن ذاته - إذا تم تفويت ما تتيحه من فرص - مناسبة للتراجع والنكوص والتردي في سحيق التخلف أو مراوحة المكان في أحسن الأحوال، وقديما قيل إن الأمم والجماعات إذا لم تتقدم فهي تسير القهقرى ولكن بشكل غير منتظم.
وقد مرّت موريتانيا في السابق بمحطات مفصلية مشابهة، خصوصا منذ بدء مسارها الديمقراطي لعل أبرزها محطتا 1991 و2006.
ولئن كان بعض المراقبين يرى أن شعبنا قد استطاع عبور كلتا المحطتين بنجاح مواصلا مسيرته بخطوات واثقة، ميمّمًا وجهه شطر دولة المؤسسات، فإن بعضهم الآخر يرى أنه كان في الإمكان أفضل مما كان.
فإن كان دستور 20 يوليو 1991 المعدل والمثبت قد أرسى - في المحطة الأولى - دعائم نظام سياسي تعددي وكفل الحريات الفردية والجماعية مسايرا بذلك الأجواء العالمية والإقليمية التي تلت السقوط المدوي لجدار برلين ونتائج مؤتمر لابول القاضية بضرورة دمقرطة الدول الإفريقية ولو شكليا؛ فإن ذاك النظام لم يرقَ إلى ما كانت تصبو إليه النخب السياسية النشطة آنئذ، إذ ظل في نظر كثير من المتابعين نظاما أعرج فاقدا لإحدى رجليه وهي المعارضة. 
قد يقول قائل إن ذلك هو التطور الطبيعي للأمور وبأن الجنين لا يولد مكتمل النمو وأن الديمقراطية هي، بالأساس، ثقافة وممارسة وفعل تراكمي وشجرة يتطلب استنباتها التعهد بالرعاية حتى يتصلب عودها وتينع وتثمر، لكن هناك من سيقابله - رغم اعترافه بوجاهة هذا الطرح- بالقول إن طبقتنا السياسية لم ترتق لمستوى اللحظة في تلك المحطة المهمة وأن المراكمة الديمقراطية المرجوة لم تحدث على الأقل بالسرعة المطلوبة، وذلك بفعل التأثير السلبي المزدوج لعاملين متعاكسين لهما عظيم الأثر على العملية السياسية برمتها. فمن جهة، كان هناك انفتاح خجول ومتوجس وحذر أبدته السلطة يومها على الكتلة السياسية المعارضة تمثل في بعض الاحيان بعدوانية مفرطة تجاه كل فعل معارض ومن جهة أخرى، تميز الفعل المعارض بالمراهقة وعدم الواقعية، حيث لم ترض المعارضة بمجرد الإشراك ومحاولة التغيير من الداخل ولو مرحليا، فكان أن قررت مقاطعة أول انتخابات بلدية ونيابية تم تنظيمها بعد إقرار الدستور وهو ما ولّد ضمورا شديدا متدرجا للجسم المعارض وفتح الباب على مصراعيه من جديد أمام الانقلابات العسكرية. 
يتواصل ...

بقلم : صالح ولد امحمد

 

إضافة تعليق جديد