دين المظاهر.. لماذا ينتشر "النفاق الديني" في رمضان؟

9 مايو, 2019 - 02:05

في شهر رمضان تزيح الحياة لثامها عن الحقيقة في أوساط المجتمعات الإسلامية، فيظهر النفاق الديني إذا صح التعبير، يظهر حاملا معه حقيقة مجتمع يعشش فيه النفاق على عدة مستويات، ذلك أن المجتمعات الإسلامية تمارس تدينها بشكل كثيف في هذا الشهر، لكن بمجرد ما ينقضي، تعود الحياة إلى سابق عهدها، وكأن التدين صار موسميا لدى هذه المجتمعات، والحق أن الواقع الرمضاني يُظهر مدى هشاشة الدين في نفوس معتنقيه، فبقدر ما يسهل عليهم ممارسة طقوسه، بقدر ما يسهل عليهم تركها، كما أنهم يُقبلون على ما يتنافى مع تعاليم دينهم في الوقت الذي يدافعون فيه عن هذا الدين بكل جهل، وإذا كانت مرتبة الصلاة في الإسلام تفوق مرتبة الصيام، فإن هناك من يتنازل عن صلواته في الغالب، دون أن يقدر على التنازل عن الصيام، ولعل الأمر بات بمثابة ثقافة ترسخت بشكل أخرجها من صبغتها الدينية، وجعلها ثقافية، يمارسها المجتمع وكأنها نوع من العادة، تستدعي القيام بأمور قد لا تكون صحيحة في الأصل. هكذا يمارس المجتمع الإسلامي تدينه عموما، وفي شهر رمضان خصوصا، وهنا تتجلى مظاهر النفاق الذي يعشش في المجتمع.

يُظهر المتدينون تدينهم بشكل عميق في رمضان، فتراهم يتسابقون على عتبات المساجد، رغبة في التقرب من الله، وطلب مغفرته، ويؤدون طقوسهم على نحو واسع، لكن الحقيقة أن هذا الأمر يوضح مدى النفاق الهائل الذي يطغى على مجتمعنا، ذلك أن واقع الحال يقول بأن هذا التدين الزائد يظل حكرا على رمضان، أما ما قبله وما بعده، فيبدأ الأمر بالتراجع، وإذا كانت المساجد تمتلئ في رمضان، فإن الأمر لا يظل كذلك بعد هذا الشهر، حيث لا تُملأ المساجد إلا أيام الجمعة، وهنا يتضح أن نسبة التدين تزداد في رمضان، هذا إذا ربطنا التدين بالصلاة وبعض الطقوس التي يظل وجودها ناذرا، أم التدين في شموليته، فيبدو واضحا أنه لا يتعدى هذه الأمور لدى هذه المجتمعات، ذلك أن الدين ارتبط كثيرا بالصلاة والصيام، بينما الأمور الأخرى، لا تأخذ نصيبها كما وضعها الدين، كما أن الصلاة بات أمرها غائبا لدى الكثير من المعتقدين، اللهم ما يفعلونه في شهر الصيام، أملا في الاعتياد عليها، لكن أمر الإدمان عليها قد يكون مرتبطا بالاقتناع بالدين كليا، وليس بالتدريب عليها في رمضان، وهناك فئات أخرى تمارس فقط طقوس الصيام بشكل يتنافى مع الشروط التي يصبح فيها الصيام مقبولا، ولكن الغالب أن شهر رمضان بمثابة موسم مؤقت للتعبد والتدين لدى الكثير، وبمجرد ما ينتهي يتأجل الموعد مع التدين إلى الموسم المقبل.

لعل وضع الدين في نفوس معظم المسلمين هش إلى درجة أنهم لا يقدرون على اتباع تعاليمه بالشكل الذي وضعها الدين، في مقابل استعدادهم للدفاع عنه بكل ما ملكوا من قوة، وهذا الأمر يؤكد على التناقض المنتشر في أوساط المجتمعات التي تقدس الدين إلى درجة أصبح معها الدين غاية الغايات، دون أن يقدروا على اتباع طقوسه كما ينبغي، وإذا أمكن وصف الأمر بضعف إيمانهم من هذا المنظور، فإن الأمر ما ينفك يكون كذلك، هذا إذا تأكدنا أن مسألة الإيمان الذي يطغى عليهم هو إيمان من دون اقتناع، ذلك أن مسألة الاختيار لم تكن متاحة لديهم، ثم إن هذه الطقوس الثقافية التي كانوا ولا يزالون يمارسونها، هي طقوس متوارثة، تضعنا أمام مسألة أن التدين مرتبط بما يرثونه من آبائهم، أكثر من اقتناعهم به، ولعله سبب يجعل إيمانهم غير مكتمل بالشكل الذي يناسب ما تم وضعه في الدين. كما أن هذا النفور الذي يلاحقهم تجاه دينهم نابع من هشاشة إيمانهم، دون أن ننسى مسألة جهلهم بالدين الذي يؤمنون به.

لقد بات التدين موسمي لدى المجتمعات الإسلامية، حيث ظل مرتبطا بشهر رمضان، ففيه تزداد نسبة التدين لدى الجميع، ويفكر فيه العديد في اتباع تعاليم الدين، أملين في الاستمرار فيها، ويدربون أنفسهم عليها، لكن مطالب الدين أقوى من هذا التدريب، فهو يتطلب إيمانا قويا، واقتناعا جادا، وليس فقط مزاجا يقرر فجأة هذه الممارسة، من خلال ذلك يبدو واضحا أن مسألة التدين مرتبطة بالمزاج أكثر، وبالعادة والتقليد أيضا، فكان طبيعيا أن نلاحظ بأن التدين يظل حبيس شهر الصيام لدى العديد منهم، اللهم تلك الفئات التي تُظهر تشبتها بالتدين دوما، وبما أن هذا التدين يبقى مزاجيا أكثر مما هو ديني، فسرعان ما ينفر منه العديد، لأنهم يجدون صعوبة في ممارسته بالشكل المناسب من جهة، ومن جهة أخرى لم يتأسس إيمانهم على اقتناع، وهو الأمر الذي أضعف إيمانهم، وجعل تدينهم لا يتعدى ما يناسب مزاجهم، وبالتدريج يتقلص تدينهم في رمضان، إلى أن يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل هذا الشهر، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الواضح أن هذا يمكن اعتباره بمثابة نفاق ديني يمارسه من يمارس دينه على هواه، معتقدا في ذلك بأن الأمر بسيط هكذا، والحق أن المسألة أعقد من ذلك بكثير، فالتدين يستلزم الممارسة الشاملة والدائمة، وليس فقط بعض المسائل في وقت معين، وهذا الأمر هو الذي يؤكد طبيعة تدين هؤلاء الأفراد.

لعل نقطة ضعف شعوبنا هي الدين، وهكذا كان واضحا أن يدافعوا عنه بكل شراسة، والغريب في الأمر أنهم يدافعون عنه بكل جهل، ويستخدمون عاطفتهم لهذا الأمر، دون الاعتماد على العقل قدر الإمكان، فإذا كان الدين أصلا يستلزم عدم إعمال العقل ما أمكن، فإن التدين ينبغي أن ينطلق من العقل من أجل فهم ممكن لمضامينه، حتى يتسنى للمعتقدين أن يقتنعوا تماما بما يعبدون، وهو الأمر الذي يمكن أن نتحدث عنه في رمضان، إذا اعتبرنا بأنهم يقبلون على العبادة الرمضانية بكل اندفاع، ورغم أن مرتبة الصلاة في الإسلام تفوق مرتبة الصيام، فإن هناك من ينفر من الصلاة دوما، ويحاول ممارستها في رمضان، وهؤلاء الذين ينفرون من الصلاة، لا يقدرون على النفور من الصيام، رغم أن أهمية الأولى تفوق الثاني، لكن نظرا للجهل الديني فهم يتعاملون مع هذه الطقوس الدينية على أنها نوع من العادة أكثر مما هي عبادة.

لقد ارتبط الدين بالمظاهر أكثر من ارتباطه بأسسه التي وُجد من أجلها، وارتبط ببعض العبادات أكثر من ارتباطه بالمعاملات، هذه الأخيرة لا يتم أخذها بعين الاعتبار لدى المجتمعات الإسلامية، ذلك أنهم يركزون على العبادات أكثر من التركيز على المعاملات والسلوكيات، وهو المنطق الذي يؤكد على أنهم يخافون من عذاب الله، لكن الحق أن الأمر يستدعي المحبة أكثر من الخوف، ولما كان الحال كذلك كان طبيعيا أن يهتموا بالعبادات دون التركيز على المعاملات، وقد تكون هذه الأخيرة كفيلة بضمان ما يسعى إليه المتدينون، وهذا الأمر هو الذي جعل الدين يرتبط بالمظاهر أكثر، وليس رمضان سوى فرصة للظهور بالوجه الذي يلائم ما يفرضه الدين.

لحبيب آيت أ صالح

كاتب صحفي

إضافة تعليق جديد