العز بن عبد السلام.. سلطان العلماء وبائع الامراء

26 أبريل, 2019 - 11:32

العلاقة بين العسكر والشيوخ على مدار التاريخ علاقة مضطربة وفى واقعنا المعاصر يشاهد الناس سقوط كثير من الشيوخ تحت بيادة العسكر وتمرغهم في التذلل أمام حكم العسكر بطرق متنوعة ونفاق في الفتاوى بلا حدود أحدهم ياسر برهامى يقف على باب لجان الاستفتاء يدعوالناس بتأييد بقاء الجنرال السيسي إلى عام 2030 والآخر الشيخ سعد الهلالى وصف الجنرال السيسى بالرسول المبعوث من الله والسيسى يقتل ويظلم ويسجن في المسلمين وقد كتب التاريخ نفاقهم بحروف سوداء. التاريخ كتب أيضا بحروف من نور لشيوخ كرام ارغموا أنف حكم العسكر، وهنا يصعد اسم شيخ بسرعة على العقول والأفهام وحتى جوجل الإنترنت سرعان مايقول لك إنه العز بن عبد السلام سلطان العلماء الذى جعل مصلحة الدين فوق الحاكم وقادة الجيش، والذى جعل قوة سيف السلطان وعسكره لاتمنع من انكار المنكر.

اشتهر باسم العزّ بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء وُلد في دمشق عام 578 هـ وتوفي سنة 660هـ في مصر، قال عنه السبكي: شيخ الإسلام والمسلمين وأحد الأئمة الأعلام سلطان العلماء إمام عصره بلا مدافعة القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها العارف بمقاصدها ولم ير مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله علمًا وورعًا وقيامًا في الحق وشجاعة وقوة جنان وسلاطة لسان. سيرته في الصدع بالحق وانكار المنكر طغت على سيرته العلمية رغم أنه بلغ مرتبة الإجتهاد ولكن كما قيل إن العلم هوالعمل، ومواقف سلطان العلماء العز بن عبد السلام مع قادة العسكر تعلم كل العلماء والدعاة كيف يكونوا دعاة وعلماء بحق لاترهبهم دبابات العسكر.

كان الموقف الأول في مواجهة الظلم حين تعاون الصالح إسماعيل حاكم دمشق مع الصليبيين لحرب أخيه نجم الدين أيوب في مصر مقابل أن يعطي الصليبيين مدينتي صيدا والشقيف والسماح لهم بشراء السلاح من دمشق وهنا يقف الشيخ العز بن عبد السلام يصدع بكلمة الحق فهاجم الصالح إسماعيل بشدة على المنابر، ولم يقل بالسكوت من أجل الفتنة يا اخى كما يردد المرجفون اليوم حتى لا نقف في طابور اللجوء نقف في طابور تأييد الطغاة. وأصدر العز بن عبد السلام فتوى قال فيها بكل وضوح وقوة إن الحاكم الصالح إسماعيل لا يمتلك المدن الإسلامية ليتنازل عنها للصليبيين ولا يجوز بيع السلاح للصليبيين لأنه معروف أنهم سيقتلون بها إخوانهم من المسلمين في مصر. وقبل انتخابات الرئاسة في مصر في 2018 تم الإعلان عن اتفاقية بين مصر وأمريكا تخضع جيش وأراضي مصر للجيش الأمريكي "CISMOA" لقتال المسلمين في أي دولة، يعني اتفاقية الصالح الأيوبي مع أمريكان الأمس تعرف الفرق.

حين سمع السلطان بفتوى العز بن عبد السلام فقام السلطان بعزله من كل مناصبه، فلم يبالي مطلقا ولم يقم باتصالات مع شاويش أو ضابط من أجل عودته للخطابة كما يفعل المصابون بمرض المصلحة فقد كان العز بن عبد السلام يعلم أن المصلحة هي مصلحة الإسلام

وقد حدث موقف عجيب فقد أرسل السلطان للشيخ رسول من ديوان الملكي، وذهب رسول الصالح إسماعيل إلى العز بن عبد السلام وقال له بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتُقبل يده لا غير، فرد عليه العز بن عبد السلام في كبرياء وعزة قائلًا والله يا مسكين ما أرضاه أن يُقبل يدي فضلًا أن أقبل يده يا قوم أنتم في واد وأنا في واد والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، فغضب الحاكم الصالح إسماعيل وأصر على عزله من القضاء ثم أمر باعتقاله ثم أخرجه تحت ضغط الجماهير المحبة للحق التى تعلم أن مصلحة الدعوة في الجهر بالحق وليس بالرقص أمام لجان السفاح السيسي أو تويتات تأييد الطاغية.

خرج الشيخ العز بن عبد السلام مهاجرا من دمشق وقد قارب على السبعين من عمره ولم يفكر في شيخوخته وأولاده بل كان تفكيره مصلحة الإسلام فقط، وصل العز بن عبد السلام إلى مصر واستقبله الحاكم نجم الدين أيوب واحتفى به وولاه منصب القضاء والخطابة في مسجد عمرو بن العاص، ولكن الشيخ لا تثنيه المناصب عن مواجهة الباطل فقد لاحظ أن المناصب الكبرى والولايات العامة وأمراء الجيش يعني محافظين وزراء ورؤساء هيئات كانت كلها للماليك العسكر الذين اشتراهم نجم الدين قبل ذلك فكان الحكم كله في أيديهم ومنهم من لم يثبت تحرره من الرق، وهو كبير قضاة مصر في ذلك الوقت.

 أصدر العز بن عبد السلام فتوى أن المماليك العسكر في حكم العبيد ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار وعدم جواز ولايتهم وبالتالي عزلهم جميعا من مناصبهم، يا لها من فتوى ثورة في ذاتها ومواجهة نارية مع العسكر والدولة العميقة، غضب المماليك العسكر بشدة وتوجهوا نحو سلطان العلماء العز بن عبد السلام لمحاولة إقناعه بالتخلي عن فتواه ثم حاولوا تهديده بقوتهم العسكرية وأذرعهم المنتشرة في الدولة لكنه رفض وأصر على موقفه، وقرر المماليك العسكر رفع الأمر للحاكم نجم الدين، فرفض الحاكم كلام الشيخ وحاول أن يؤثر عليه ليغير فتواه فلم يأتمر الشيخ بأمره.

لم يأسر الشيخ معروف الصالح نجم الدين ايوب بتوليته منصب كبير قضاء مصر بل قال له بكل وضوح ألا يتدخل في شئون القضاء، وهنا راجعوا مواقف القضاة والمحكمة الدستورية في مصر وبلاد العرب خاصة وأحكامهم في قضايا ملفقة للأحرار بالسجن والإعدام وتأييدهم لكل ظلم لتعلموا الفارق، وعندما وجد الشيخ أن كلامه لا يسمع خلع نفسه من منصبه بالقضاء ولم تراوده نفسه ان يحافظ على الامتيازات وكارنيه القضاة والحصانة فالشيخ بن عبد السلام يعلم أن المصلحة هى مصلحة الدين وقرر الرحيل عن مصر وركب حمارته واستعد للرحيل وقال ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، وهنا خرج الآلاف من أهل مصر خلف الشيخ تأييدا له بل وقرر الصالحين من العلماء الرحيل معه.

ولما علم الصالح أيوب بذلك أسرع بنفسه للشيخ لاسترضائه لكن الشيخ لم يقبل باسترضاء الحاكم بل بكل حسم اشترط على السلطان أن يبيعوا المماليك وبعد ذلك يتم عتقهم، ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء من قبل كان من بيت مال المسلمين فلابد أن يرد المال إلى بيت مال المسلمين وتم بيعهم لذلك أطلق على الشيخ العز بن عبد السلام بائع الأمراء وقد نصحه أحد أبنائه قائلا يا أبى إني أخاف عليك من بطش أمراء المماليك فرد عليه الشيخ الجليل بقوله أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله.

ويستمر الشيخ في مواجهة العسكر بالحق ولا يبالي ويصدر فتوى بسقوط عدالة وشهادة نائب السلطان الأمير فخر الدين القائد العسكري للقوات الخاصة بسبب قيامه ببناء مبنى للطبل والغناء قريب من جامع بالقاهرة وقد ظل الأمير فخر الدين ساقط الشهادة حتى مات، واليوم بعض الشيوخ يتقربون لكل سواقط العدالة بل خرج أحدهم علانية وهو عبد العزيز الريس وقال لو أن الحاكم زنى علانية لا تنكر عليه.

ويتواصل جهاد العز بن عبد السلام للحق، في يوم جمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يلزم لمواجهة التتار وأن بيت المال بحاجة إلى أموال الشعب ليتمكن من الجهاد ووافقه جُلّ الحاضرين على جباية الضرائب لهذا الأمر ولم يذْكروا ما عند الأمراء من أموال. وعندئذ تكلم العز بن عبد السلام وكان عمره وقتها ثمانون عاما لم يقل "تجمع أموال الشعب لصندوق تحيا مصر وعلى الشعب أن يتحمل الغلاء أو فرض ضرائب جديدة على الشعب" بل أصدر الشيخ فتواه المزلزلة بالحق لكل باطل فقال إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وبشرط أن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحُليّ ويقتصر الجند على سلاحهم ومركوبهم ويتساووا والعامة وهنا تلعثم العسكر واضطربوا فقد زلزلتهم الفتوى وقهرتهم ولكنهم لا يستطيعون تلفيق قضية عسكرية للشيخ وسجنه كما يفعل عسكر اليوم، رضى الله عن سلطان العلماء العز بن عبد السلام.

ممدوح إسماعيل

محام وبرلماني

 

 

 

إضافة تعليق جديد