الإعجاز العلمي بالقرآن.. هل يعبر عن عجز تفكيرنا؟

31 ديسمبر, 2018 - 11:28

كثر الحديث في هذه الأيام عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث ذهبوا إلى القول بوجود الإعجاز العلمي في السنة النبوية، وقد يتطور الحال إلى القول بوجود الإعجاز العلمي في أقوال الصحابة والتابعين والصالحين من هذه الأمة. وأنا ومعي كثيرون نشك وجود مثل هذا النوع من الإعجاز، وهذا بالتأكيد لا ينتقص من قدر القرآن الكريم ولا يقلل من مكانته وقدسيته، ولا يعيب القرآن الكريم ألا يكون فيه مثل هذا النوع من الإعجاز؛ وذلك لسبب بسيط وهو أن القرآن الكريم ليس كتابا في العلوم الطبيعية والكونية، حتى يحتوي على تلك الحقائق العلمية ويتحدى بها، كما أنه ليس من وظيفته الكشف عن القوانين العلمية ولا تعريف الناس بها؛ فاكتشاف القوانين والسنن في هذه الحياة من وظيفة العقل البشري حسب حاجته وبما زوده الله به من طاقات عقلية خلاقة ومبدعة.

ومن يقول بوجود الإعجاز العلمي يستندون في رأيهم هذا إلى أن هناك إشارات وإيماءات علمية لكثير من الحقائق والنظريات العلمية التي ذكرها القرآن الكريم قبل ما يزيد على ألف وأربع مائة عام، كشف عنها العلم الحديث، وهذا دليل على أن القرآن معجز علمياً. ويستند شكنا في وجود هذا النوع من الإعجاز إلى أمر مهم وهو أنه لو كان هناك إشارات علمية في القرآن لكريم لكنا أولى من غيرنا باكتشافها، فلماذا غفلنا عنها وتنبه إليها غيرنا، ألسنا أولى باكتشافها من غيرنا؟ وعلى فرض وجودها فوجودها دليل عجزنا وتخلفنا إذ كيف يعجز من كان عنده إشارات وإيماءات عنن ظاهرة أو حالة علمية ثم لا يكتشفها ولا يتوصل إليها، بينما يكتشفها ويبتدعها من هو فاقد لها، فلماذا لم تأخذ هذه الإشارات بأيدينا وتوجهنا نحو الاختراع والاكتشاف.

وليس التعلق بأستار وأحبال الإعجاز العلمي دليل عجز فسحب وإنما هو دليل نرجسيتنا، فنحن نعتقد أننا الوحيدون في هذا العالم ونحن وحدنا المتفوقون دائماً والسابقون لغيرنا في كل شيء، وأنه ما من إنجاز يتحقق في هذه الحياة ولا نظرية تكتشف إلا وكان لنا قصب السبق في اكتشافها أو الإيماء إليها. كما أنه ينطلق من مفهوم مغلوط للدين وهو أن الدين عبارة عن قناعة عقلية فحسب، ولو كان الدين كذلك لما وجدنا من يعبد حجرا أو بقرة، فالدين عاطفة ووجدان يتسامى على النظرة العقلية ولا يخضع لها، بل إن واقع الحياة يدل على خضوع العقل المطلق لمنطق الدين وفلسفته.

ففي عالمنا اليوم هناك من يعبد البقر -ولا يوجد مصادمة للعقل أقوى من ذلك- وهؤلاء بلا شك لهم عقول، ومع ذلك ما وجدت واحدا منهم يوما يسعى لأن يسوغ لك معبوده وأن يبحث عن المبررات العقلية لتلك العبادة، ويسعى جاهداً لتلفيق الاكتشافات العلمية ليبرر صواب فعله وصدق دينه، فما وجدناه يؤلف كتابا في الإعجاز العلمي في البقرة ولا الإعجاز العلمي في حليبها أو روثها ولا شيء من ذلك. نحن فقط من أصابه الهوس بهذا النوع من الإعجاز، وكأنه المنقذ الأعظم لهذا الدين من ورطته التي أوقعه فيها تخلفنا وتقاعسنا عن صناعة الحياة وتحقيق الإنجاز والإعجاز، فأضحى التعلق بأوهام الإعجاز هو الملاذ والمخلص.

ولعل أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تريح ضمائرنا المعذبة من الواقع الذي آلت إليه أمتنا، ويصبح هو الملهاة التي ننشغل بها عن إصلاح حالنا علمياً، بينما يمضي غيرنا قدما في هذه الحياة، فأضحت المسافات العلمية والحضارية بيننا وبينه تقاس بالعقود إن لم نقل بالقرون. فهذا النوع من الإعجاز دليل هزيمتنا وضعفنا وعدم ثقتنا بديننا، فلو كنا واثقين به لما احتجنا أبدا للبحث عما يثبت لنا صوابيته وصدقيته.

يبرر القائلون بالإعجاز فعلهم بأنهم إنما يفعلون ذلك كوسيلة للدعوة إلى الله في عصر طغى فيه العلم وساد فيه العقل، وهذا المبرر على نبله إلا إنه يحمل بين طياته الكثير من المحاذير؛ لأنه يحاول من حيث لا يدرك أن يخضع الدين لمعايير العقل وهذا اتجاه خطير على الدين وعلى العلم، فهو يحاول أن يفسر الدين تفسيرا عقلياً، كما أنه يقحم القرآن في غير مجاله ويحمله على أن يؤدي وظيفة غير وظيفته التي أنزل لها، وتتجلى الخطورة عندما يتعسف أصحاب هذا المذهب في تفسير الآيات وتأويلها لتخدم هذا الاتجاه. كما أن استخدام الإعجاز العلمي في الدعوة والإقناع ليس بذي جدوى كبيرة؛ لأننا به نقدم للمدعو شهادة عجزنا وتخلفنا.

والشيء الذي لا يمكن استيعابه والقبول به أن يصبح الإعجاز العلمي مادة في بعض الجامعات الأردنية، ولو درست هذه المادة في كليات العلوم لهان الأمر قليلا، أما أن تدرس في كليات الشريعة فهذا أمر يصعب على العقل استيعابه وتصوره؛ لأمرين، الأول منهما أنه يفترض في الجامعات أن لا تدرس إلا العلوم الثابتة والمستقرة، وهذا النوع لم يرق إلى أن يصبح علماً تتوفر فيه صفات العلم، وإلا لكانت كليات العلوم أولى به، والثاني كيف لشيخ مختص في الشريعة أن يبحث في هذا النوع من الإعجاز الذي يتناول الفلك والفضاء والخلية وغيرها؟!

لذلك نحن ننصح المشتغلين بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم بأن يوفروا الوقت الذي يبذلونه في محاولة التلفيق بين الآيات القرآنية والاكتشافات العلمية، وأن يوجهوا جهودهم في محاولة استقراء الإشارات العلمية واللفتات العلمية في القرآن الكريم والبناء عليها لتحقيق اكتشافات علمية حقيقية تنفع البشرية وتضيف إلى جسم المعرفة الحقيقية شيئاً جديداً، وتعطي تلك الإشارات القيمة المضافة التي تحولها من مجرد كونها إشارة إلى أن تصبح إنجازاً واختراعاً، عندها فقط سيشهد الجميع بذلك الإعجاز، وفي تلك اللحظة سيقل وقد يتلاشى الحديث عن الإعجاز العلمي لسبب بسيط هو أننا في تلك اللحظة نكون قد استعدنا ثقتنا بأنفسنا وعادت لنا شخصيتنا المستقلة، وقد نضطر وقتها إلى حرق كل مؤلفاتنا التي ألفناها في الإعجاز العلمي؛ لأنها ستذكرنا بماض لا نريد ما يذكرنا أو من يذكرنا به.

د. أحمد ياسين القرالة

كاتب ومدون أردني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد