أسواق العبودية في العالم العربي

3 ديسمبر, 2017 - 15:28

وصلت العبودية في السنوات الأخيرة إلى مراحل متطورة من الإذلال والاعتداء على الحقوق الإنسانية وسلب حرية ملايين البشر وإخضاعهم لأقسى أنواع الحرمات والتعذيب... إلى أن انكشفت أمام العالم أسواق الرق في ليبيا، التي يباع فيها المهاجرون بالمال، وتمارس عليهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. والمشاهد المرعبة التي ظهرت في ليبيا، تظهر سوقا لبيع البشر، إلا أنها تخفي أسواقاً تشتري الناس هي الأخرى وتستعبدهم.

ولكن هل الحالة محصورة عربياً في ليبيا؟ البيانات تؤكد أن العبودية الحديثة في عالمنا العربي تتمدد، وتوسعها ينذر بعشرات من الأسواق المشابهة للمسلخ الليبي.

2.928 مليون شخص يعانون من العبودية في الدول العربية، هذا ما تقوله البيانات الصادرة عن مؤشر العبودية العالمي، إلا أن الأخيرة منقوصة، فإحصاء حالات الاسترقاق ليس بالمهمة البسيطة، والحصول على أرقام دقيقة يضيع في خانة "التقديرات". إذ يؤكد العديد من الحقوقيين أن العدد أكبر بكثير، وقد ارتفع مع الحروب الدائرة في غير دولة عربية.

بالأرقام، يصل عدد الأشخاص الواقعين تحت العبودية في مصر إلى 573 ألفاً، وفي العراق حوالي 404 آلاف، في اليمن 303.2 آلاف، في سورية 257 ألفاً، في السودان 454.7 ألفاً، في المغرب 220 ألفاً، في الجزائر 248 ألفاً. أما في ليبيا فالرقم يصل إلى 70.9 ألفاً، وفي تونس 85 ألفاً، وفي لبنان 29 ألفاً، والأردن 42.9 ألفاً، وفي موريتانيا 43 ألفاً. 

في حين أن عدد الأشخاص الواقعين تحت العبودية يصل في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 197.2 ألفاً، والعدد الأعلى في السعودية بـ91.1 ألفاً، والأدنى في البحرين وهو 6.4 آلاف، ودائماً وفق مؤشر العبودية العالمي. 
ويتم تعريف العبودية الحديثة على أنها تشمل العمل الجبري، والزواج القسري، والرق والممارسات الشبيهة بالرق، والاتجار بالبشر.

من السودان إلى موريتانيا

يقول تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام 2017، إن اللاجئين، وطالبي اللجوء، ومعظمهم من شرق أفريقيا وغربها، معرضون بشدة للاتجار بالجنس والعمل الجبري في السودان. وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، مثل الإريتريون أعلى نسبة من ضحايا الاتجار بالبشر في السودان، وخاصة في الشرق، بسبب تدفقهم كلاجئين وملتمسي لجوء. 

أما النساء الإثيوبيات معرضات بشكل خاص للاستعباد المنزلي في المنازل الخاصة في الخرطوم وغيرها من المراكز الحضرية؛ ويضطر بعض النساء الإثيوبيات إلى ممارسة البغاء في الخرطوم ويتعرضن للعبودية. ويمثل الصوماليون جزءا كبيرا من الأفراد المعرضين لخطر الوقوع ضحايا للاتجار. وتشير التقارير إلى أن اللاجئين السوريين، بمن فيهم الأطفال، يلاحظون على نحو متزايد في شوارع الخرطوم وهم عرضة للاستغلال. 

وواصلت المنظمات الدولية توثيق حالات مواطني غرب أفريقيا - معظمهم من النيجر ومالي وتشاد - الذين وصلوا إلى السودان عن طريق طرق الهجرة غير النظامية، ثم تعرضوا لاحقا للاتجار. وقد أبلغ عن أن البالغين البنغلاديشيين الذين يهاجرون إلى السودان للعمل كانوا ضحايا للاتجار.

أما في موريتانيا، يقول تقرير لمنظمة "وولك فري" عن العبودية في العالم في العام 2016، إن هذا البلد يستضيف نسبة عالية من الناس الذين يعيشون في الرق في العالم، ويصل العدد إلى 43 ألف شخص. ويترسخ الرق في المجتمع الموريتاني، ويورث وضع الرقيق من جيل إلى جيل، ويتجذر بعمق في الطبقات الاجتماعية والنظام الاجتماعي. 

ومن إجمالي 20 ألف شخص يخضعون لعبودية العمل الجبري، كشفت نتائج التقرير أن 43% منهم تم استغلاله في قطاع البناء في موريتانيا. في حين تم استغلال 42% في العمل المنزلي. ويشمل العمل الجبري في القطاع المنزلي عادة النساء اللواتي يؤدين أعمالا منزلية، مثل جلب المياه، وجمع الحطب، وإعداد الطعام، وقصف الدخن، ورعاية الأطفال. إضافة إلى الاستعباد في القطاع الزراعي. إلا أن عددا من الحقوقيين يؤكدون أن عدد ‏‏المستعبدين في موريتانيا يصل إلى نحو 500 ألف. 

تونس ومصر

كانت تونس من أوائل ‏الدول التي أعلنت منع الاتجار بالرق وبيعهم، وذلك في 6 سبتمبر/ أيلول من العام 1841. إلا أن هذه ‏الظاهرة بقيت، والجنوب التونسي، الذي يضم عدداً كبيراً من ‏المواطنين ذوي البشرة السمراء، لا يزال يشهد حالات استغلال.‏ 

وتقول دراسة منظمة "والك فري" إن عدد التونسيين المعرّضين لتجارة البشر ‏والاستعباد وصل إلى نحو 9271 شخصاً في سنة 2013، ليرتفع العدد إلى 85 ألفاً في العام 2016. 

أما في مصر، تؤكد دراسة لمركز الشهاب للتنمية الشاملة على العنف الذي يُمارس ضد ‏العاملات المنزليات المصريات، وصل إلى "حلق الشعر، والكي بالنار، ‏والاغتصاب، والتحرش، إضافة إلى تلفيق قضايا سرقة".‏

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لعدد العاملين في خدمة ‏المنازل، إلا أن بعض المؤشرات الحقوقية، كتلك التي رصدها مركز ‏الشهاب للتنمية الشاملة، تؤكد أن هناك مليوناً و380 ألف عاملة في ‏المنازل في مصر. ويصل عدد المستعبدين في مصر إلى 573 ألفاً في العام 2016، وفق مؤشر العبودية العالمي.

من اليمن إلى العراق فالخليج

لا تزال عبارة "السادة والعبيد" تتردد في اليمن. في مناطق شمال الشمال القبلي، يتم استعباد آلاف من البشر من فئة المهمشين أو ‏من يعرفون شعبياً بـ "الأخدام". وهؤلاء، مواطنون يمنيون، ولكنهم يتمايزون ببشرتهم السمراء. 

ويؤكد رئيس اتحاد المهمشين ‏اليمنيين نعمان الحذيفي أنه هناك حالات عبودية في محافظتي الحديدة وحجة. ويكشف في حديث سابق مع "العربي الجديد" أنه تم رصد حالات بيع وشراء لـ 12 ‏ألف يمني من فئة المهمشين. وقد كشف الباحث اليمني عمر العمقي، عبر سلسلة من التحقيقات الاستقصائية، عن وجود ما يزيد ‏عن 500 حالة رق وعبودية مؤكدة في المناطق الشمالية الغربية لليمن. ‏

ويوضح العمقي لـ"العربي الجديد" أن هناك مشايخ قبليين ونافذين في محافظتي حجة والحديدة شمال غرب البلاد، يستعبدون ‏الأفراد من فئة المهمشين من خلال عمليات بيع و شراء بموجب صكوك ملكية، تنتقل من شخص الى آخر.‏

 ويوجد في اليمن حوالي 2.5 مليون نسمة من فئة المهمشين. فئة تجمع بشرا محرومين من الوظيفة العامة ويعملون ‏في نظافة الشوارع وجمع النفايات وتنظيف المراحيض والسيارات، وفي المهن التي يعتبرها المجتمع اليمني دونية، فيما تمتهن ‏نساؤهم وأطفالهم التسول. وهذه الفئة، تتعرض لأسوأ أنواع العنصرية التي تصل الى الاعتداءات الجسدية المتكررة. ‏

أما في العراق 403,800 شخص يعانون من العبودية الحديثة وفق مؤشر العبودية، بما يوازي 1.13% من السكان. وقبل تصاعد العنف، كان العمال المهاجرون في العراق معرضين بالفعل للعمل الجبري واستعباد المدين. 

غير أن الأزمة الحالية زادت من حدة هذه القضايا وأحدثت مخاطر وتهديدات جديدة. ويواجه أولئك الذين يريدون مغادرة البلد وضعا صعبا حيث يحتفظ أصحاب العمل بجوازات سفر العمال. وهناك تقارير مؤكدة عن احتجاز النساء والأطفال، وبيعها في أسواق العبودية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. 

كذا، تتزايد أعداد الخاضعين للعبودية في دول مجلس التعاون الخليجي، ووفق تقارير صحافية، أفادت جماعات حقوق الإنسان فى بوروندي أن حوالى 800 فتاة تم نقلهن إلى دول الخليج للعمل كرقيق.

ويأتي العديد من العمال من إثيوبيا، ونيجيريا وأوغندا وكينيا وإريتريا والهند ودول أخرى طوعا إلى بعض دول الشرق الأوسط للحصول على وظائف مربحة وعدت بها وكالات السفر والجولات، وتشمل هذه الوظائف المربحة أعمال البناء، وصناعات النفط والغاز والنقل. وعند دخولهم البلد، يجدون أنفسهم ضحايا الاسترقاق.

 ليبيا تحت مجهر العالم 

تفاجأ العالم الأسبوع الماضي بفيديوهات مروعة تؤكد وجود أسواق لبيع البشر في ليبيا. ومن حينها إلى اليوم، لم تتوقف التقارير الإعلامية والحقوقية عن التحذير من هذه المأساة الإنسانية وانتشارها في عدد من الدول. 

وقد شهدت ليبيا زيادة هائلة في أعداد المهاجرين المحتجزين في مراكز الاعتقال خلال الأسابيع الأخيرة من 5000 إلى 6000 شخص في المعتاد إلى أكثر من 15 ألف شخص، حيث تم نقل المهاجرين من مراكز احتجاز غير رسمية في صبراتة. وسجلت المنظمة الدولیة للھجرة حتی الآن أکثر من 400 ألف مھاجر في لیبیا، وتقدر عددهم بأکثر من 700 ألف إلى مليون مھاجر. 

وتؤكد التقارير الإحصائية أن أعداد البشر الواقعين تحت العبودية في ليبيا تصل إلى الآلاف، وأن هذا البلد أصبح من المراكز المعروفة بالاسترقاق.

العربي الجديد

إضافة تعليق جديد