الاستفتاء.. التعمية البصرية والواقع السيء..

9 يوليو, 2017 - 18:00

من اللغو في القاموس السياسي السليم الإعراض عن النظر في واقع ومآلات الاستفتاء المزمع تنظيمه بعد أقل من شهر من الآن..

وعلى ذلك الأساس سنحاول قراءة ما بين السطور وفتح ما أمكن من الدفاتر القديمة وتقليب الأوضاع لعلنا نخرج بنتيجة تمكننا من قراءة الحاضر وتدارك أخطاء الماضي واللعب بما أمكن من أوراق لج

شكلت التعديلات الدستورية ثمرة حوار وتشاور دام أسابيع بين مثقفين وخبراء سياسيين واقتصاديين واجتماعيين وأصحاب فكر من مختلف الأطياف والتشكيلات على اختلاف رؤاها وتوجهاتها، أساسا لبناء جمهورية ثالثة ذات بعد سياسي وفكري واقتصادي واجتماعي مبني على أسس علمية واقعية تستند على الأبعاد الثقافية والاجتماعية للمجتمع الموريتاني.. غير أن الترويج لهذه التعديلات اصطدم بعدة حواجز ومطبات بعضها طبيعي كوقوف المعارضة الراديكالية ضد مشاريع النظام، والبعض الآخر نتاج أخطاء بعضها مغتفر والبعض الآخر إما مؤسس على نية مسبقة أو ناتج عن سوء فهم وتقدير للأمور.

استطاع النظام بسهولة تمرير التعديلات الدستورية عبر الجمعية الوطنية، وكان هذا ثمرة لقاءات متكررة بين شخص الرئيس (أعلى سلطة في البلد) ونواب جل مطالبهم كانت شخصية وغالبيتها التزم الرئيس بتنفيذه، ولا يلاحقهم كابوس تفريغ مجلسهم من محتواه واستبداله بآخر يفرض الدخول فيه تغيير مجمل العقليات والاستراتيجيات.

لكن الفشل بدأ من مجلس الشيوخ الذي ألزم برفض التعديلات الدستورية ليس بدافع عدم الاقتناع بها، بل لأن حربا ضروسا وغير مدروسة العواقب أعلنها عليه الحزب الحاكم والحكومة تمثلت في تمييع دوره التشريعي واعتباره عقبة كأداء أمام المشاريع ذات الطابع التنموي والقانوني، وهو ما فتح باب الرد بالمثل على مصراعيه أمام مجلس الشيوخ الذين اختصروا الرد بعد سلسلة تلميحات في رفض تمرير التعديلات الدستورية.

لقد كانت المادة 38 حلا من ضمن الحلول المقترحة على ما خلفته من جدل ما زال قائما لحد الساعة، رغم أنها تعدت أزمة الرفض المطلق.

وهي المادة التي على أساسها تم بعث الروح من جديد في مشروع تمرير التعديلات الدستورية عبر استفتاء شعبي، واقع العمل على إنجاحه تعمية بصرية وحقيقة مآله إن يم يتم تدارك الوقف بسرعة فشل لا مناص منه، وهنا قد نختلف قليلا في معنى الفشل، ففي مثل هذه الحالات لا يعني الفشل رفض المشروع وعدم التصويت له بقدر ما يعني مقاطعته وعزوف الغالبية عن التصويت عليه.

إن المتتبع للواقع والقارئ لما بين أسطره يرى بما لا يدع مجالا للشك أن النظام بكل جزئياته فشل في إقناع الشارع العام بالتعديلات الدستورية في حد ذاتها، وتحولت المعركة من إقناع بمحتوى التعديلات إلى محاولة استعطاف الشارع الموالي نفسه للتصويت لصالحها نكاية في الشيوخ والمعارضة الراديكالية.

وهنا نسجل النقاط التالية:

     نجحت الماكينة الإعلامية للمعارضة الراديكالية في رسم أسوء صورة للتعديلات الدستورية، حيث استطاعت اختزالها في بند واحد عنوانه (صراع اجتماعي جهوي بين الزوايا والعرب من جهة وبين الجنوب والشرق من جهة أخرى)

     الموالاة تركت اللعبة بأيدي مراهقين يعبثون بها على مواقع التواصل الاجتماعي واكتفت بدور المتفرج، وحتى لا نظلم بالتعميم سنستثني من المدونين (أحمد عيسى ولد اليدالي- بادو ولد محمد فال امصبوع- أحمد ولد محمدو).

     الموالاة اعتمدت على مهرجانات كرنفالية لا تعدو كونها تعمية بصرية للرئيس عن فشل ذريع لم يعد يجدي معه نفعا ذر الرماد في العيون.

     الحكومة ولدت مبادرتها خديجة ولم تفلح في تدارك الخطر بقدر ما ميعت الاستفتاء، - نزول الوزير الأول إلى الميدان غير مدعوم بسلاح الإقناع كان خطأ استراتيجيا أفقد الدولة هيبتها وحط من معنويات العناصر النشطة بالموالاة ذات الطابع الفكري المعتمد على نهج الإقناع.

     اعتماد الوزير الأول في حملته على الوعود التي سبقها إلى الناس نكثه لغالبيتها... وإمعانه في التهديد للمعارضين للاستفتاء والذي سبق الناس إليه نكايته في خصومه السياسيين.. لا يعني - إن كان يعني شيئا- سوى أنه حكم مسبق بالفشل لجولة الوزير الأول..

وحتى يتم تدارك الأخطاء الجسيمة التي ستؤول بالاستفتاء لا محالة إلى الفشل فإن على النظام من أجل بعث الروح من جديد في الاستفتاء معنى ومضمونا،

     أن يزج بكتيبة من المدونين مدججة بسلاح الإقناع في مواقع التواصل الاجتماعي، أن تواكب كوكبة من المختصين في الإقناع تقديم برامج تلفزيونية وإذاعية ترسم صورة مغايرة للصورة الحالية وترد عليها بأسلوب مقنع.

     أن تنظلق حملة موازية لحملة المعارضة الراديكالية تعتمد أساسا على طريقة (بيت- بيت) لإقناع الشارع الموريتاني بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية، بعدما سممت المعارضة الراديكالية أفكاره.

     أن يستقبل الرئيس بشكل شخصي معنويا كافة رموز الطيف السياسي والاجتماعي والوجهاء والنافذين ليتدارس معهم إمكانية الخروج مأزق قد يؤدي إلى أن تكون نسبة التصويت على الاستفتاء المزمع هي أخفض نسبة في تاريخ البلد.

     أن تشكل لجنة من أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار وبسرعة فائقة كإعادة اعتبار لها، لتعنى لتقوم بحملة موازية لحملة الحكومة والحزب الحاكم من أجل إقناع الشارع بالمشاركة في التصويت على الاستفتاء ولصالح تمرير التعديلات الدستورية.

لقد قمنا بكتابة هذه الورقة على عجالة لأن الوقت لم يعد في مصلحة النظام وأصبح لزاما عليه التحرك بسرعة فائقة لتدارك الأخطاء، قبل أن تقع الفأس في الرأس وتضيع هيبة النظام بضعف نسبة التصويت على التعديلات الدستورية.

عن المكتب الإعلامي: حراك مثقفون لأجل الوطن

إضافة تعليق جديد