أميّة ثقافة الاختلاف.. وراء كل هذا الذي يحدث بين العرب

9 يونيو, 2017 - 00:01
أ.د. علي الهيل  أستاذ جامعي وكاتب قطري

الإتحاد الأوروبي يضم 28 دولة أوروبية.  ليس ثمة تجانسات ثقافية بينها، اللغات مختلفة، المعتقدات الدينية؛ العادات و التقاليد مختلفة. بَيْدَ أن المصلحة العليا جمعتهم.  نلاحظ أنّ كل دولة لها سياساتها الخاصة و فلسفتها الخاصة بها في الحكم.  الدول الأعضاء تحترم تلك الخصوصية الثقافية و السياسية لكل دولة عضو.  إذن؛ ثقافة الإختلاف تكاد تكون مقدسة و لا يُسمح للإختلاف أن يرقى إلى خلاف.  لأن الإختلاف يثري و ينوّع التجمع الإقليمي في حين الخلاف يدمر التجمع.

حتى ينجح أي تجمع إقليمي لابد من أن يتم تعزيز ثقافة الإختلاف و النأي بها عن الخلاف.  للأسف، أن بعض الدول الأعضاء في المنظومة الخليجية لم تتعلم و لا تريد أن تتعلم ثقافة الإختلاف.  هذه سمة للعقل العربي عموماً.  شاعرهم القديم قال:  “إنّ عينَ الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ   كما و أنّ عينَ السخطِ تُبدي المساويا.”  بمعنى أن العرب أفراداً و جماعات -إلا من رحم الله- إِنْ أحبك أحدهم و لو لسبب بسيط رفعك إلى سابع سما و إِنْ سخط عليك لسبب قد يُعدُّ تافهاً ينزلك إلى سابعِ قاعْ.

إذن، أمية ثقافة الإختلاف التي يعاني منها العرب عامةً هي التي يُعزى إليها -بين عوامل أخرى- كل هذا الذي يحدث بينهم بفعل بعضهم البعض.  دولة قطر التي حرصت منذ ١٩٨١ و هو تاريخ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية على ديمومة و إستمرارية و نجاح و إنجاح هذه التجربة الوحدوية الوحيدة في الوطن العربي.  رغم محدوديتها و رغم تحفظاتنا الكثيرة عليها و رغم أنها لم تنفع الشعوب قدر نفعها للأنظمة.  بَيْدَ أنها تشكل إرهاصة أمل في التطور و التحول في المستقبل.

قطع العلاقات الديبلوماسية و القنصلية و فرض الحصار البري و البحري و الجوي ضد دولة قطر على يد دول ثلاث أعضاء في المنظومة الخليجية يكرس حقيقة أمية ثقافة الإختلاف.  بدلاً من أنْ تشعر تلك الدول الأعضاء بالفخر بما حققته دولة قطر في خلال عِقدين في جميع المضامين الحياتية مما جعلها تتبوأ مكاناً خاصاً في العالم و تحصل على إستضافة كأس العالم في ٢٠٢٢، بدأت تلك الدول -و هو أمر مؤسف- تشعر بالغيرة من هذه الدولة الفتية التي أصبحت في مصاف الدول المتقدمة.  كان المفروض أن تحتكم تلك الدول إلى اللقاء وجهاً لوجه و الحوار المباشر لحل أي خلافات نتجت عن إختلافها مع دولة قطر بدلاً من اللجوء إلى حصار القرون الوسطى.  للأسف أن الذي حدث يذكرنا بعقلية الشقيق الأكبر في الأسرة العربية الذي يستكثر على شقيقه الأصغر الذي شبّ عن الطوق و كبر و بات يأتي بما لم يأْتِ به الشقيق الأكبر مما أوغر صدره عليه.

إستكثر الشقيق الأكبر على شقيقه الأصغر أن يقود الحوارات العربية العربية كالجواز الوطني اللبناني و كحوار دارفور و يكسر الحصار على غزة و أصبح بذلك أول زعيم عربي بل أول زعيم على مستوى الكون على الإطلاق يزور غزة على رأس وفد قطري كبير و يبني فيها مدينة حمد و ينشىء طرقاً حديثة في غزة.

إذا كانت مزاعم تلك الدول أن دولة قطر ترعى حركات متطرفة، ألا توجد مزاعم أيضاً بأن تلك الدول ترعى أيضاً حركات متطرفة هي تراها مشروعة و حركات مقاومة و ليست إرهاباً؟ على سبيل المثال لا الحصر، فإن دولة قطر ترى و يؤيدها في ذلك الكثير من الشعوب العربية و غير العربية أنّ حماس ليست حركة إرهابية، في حين أن تلك الدول تعتبر حماس حركة إرهابية.

السبب هو أن حماس بوصلتها واضحة -و هذا هو منطق دولة قطر- فهي لم تحارب قطُّ خارج حدود فلسطين المحتلة.  و إذا كانت تلك الدول تدّعي أو تعيب على دولة قطر أنّ لها علاقات مع إيران، أليست دولة الإمارات رغم إحتلال إيران لجزرها الثلاث (طنُب الكبرى و طنب الصغرى و أبو موسى) لها علاقات تجارية و إستثمارية ضخمة مع إيران.  فمثلاً ثمة ٥٠ ألف شركة إيرانية تنشط في دولة الإمارات و يستثمر إيرانيون أكثر من نصف تريليون دولار في دولة الإمارات؟ و بما أن الشيء بالشيء يُذكر فإن دولة قطر التي تدّعي تلك الدول أنها تشذ عن الإجماع الخليجي كانت دائماً و ستظل تدعم المطلب الإماراتي باسترداد جزرها من إيران.  ماذا يعني أن يغرد مايكل أورن السفير الصهيوني الأسبق في واشنطن و يقول:  إن “إسرائيل” لم تعد العدو للعرب.  بل إن “إسرائيل” تتحد مع العرب لمحاربة قطر التي ترعى الإرهاب، أي حماس.

أمّا عن قناة الجزيرة -التي أنا شخصيا لديّ بعض التحفظات عليها- ليستِ الوحيدة التي تزعم تلك الدول أنها تؤجج؟ فماذا عن العربية و سكاي نيوز و الحدث و الإقتصادية و الإخبارية و جريدتي الشرق الأوسط و الحياة و قناة ال MBC و معظم هذه الوسائط الإعلامية مخترَقة و يكفي مثال واحد يغني عن كل الأمثلة و هو مسلسل “غرابيب سود.” أليست بعض تلك الدول من يمتلك تلك القنوات و الصحف التي تؤجج.

عندما شُنت على  دولة قطر الحرب الإلكترونية بعد منتصف ليل ٢٣ أيّار (مايو) بالتزامن مع الإختراق كانت العربية و سكاي نيوز و الحدث تذيع الأخبار المفبركة لتصريحات أمير دولة قطر التي أصلاً لم يصرّح بها و هي فبركات مغرضة.  أليس مستغرباً أن تكون تلك القنوات تذيع الفبركات لحظة وقوع الإختراق و جهزت الأستوديوهات و الضيوف للتعليق و التحليل و كان الضيوف يتنقلون من قناة إلى أخرى.  فماذا يعني كل هذا؟

إنني مقتنع بأن سوء الفهم من تلك الدول لقطر-التي من حقها أن تنفرد بسياساتها الخاصة كأي دولة في المنظومة الخليجية و في أي تجمع إقليمي- نفخت فيه أجندات أجنبية كمايكل أرون لتكريس شعار (فرّق تسُدْ) الإستعماري القديم الذي آخذ في العودة بقوة و شراسة، سوء الفهم ذاك الذي ولَّد الأزمة سيتم نزع فتيلها قريباً.  بَيْدَ أن ما حدث سيترك تضاريس في نفوس أهل قطر الذين كانوا مع شقيقتهم الكبرى في اليمن و في الخفجي أيام غزو الكويت.

أحيي دور حكيم الخليج الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت على جهوده الرامية للتهدئة و تحية كبيرة لأمير قطر الذي لم يشأ التصعيد.  فحكومة دولة قطر لم تطلب من رعايا تلك الدول التي قاطعتها بمغادرة البلاد و لم يُلقِ الأمير خطابه للشعب حفاظاً على جهود الوساطة.  بإذن الله سحابة صيف عابرة.

أ.د. علي الهيل

أستاذ جامعي وكاتب قطري

رأي اليوم

إضافة تعليق جديد