أفضل ما قيل عن الانتخابات الأمريكية: أبو لهب فاز على حمالة الحطب

12 نوفمبر, 2016 - 15:25
د. عبد الحي زلوم

أفضل ما قيل عن الانتخابات الامريكية: أبو لهب (ترامب) فاز على حمالة الحطب (هيلاري كلينتون)

د. عبد الحي زلوم

1-  هل أصبحت امريكا دولة فاشلة؟

بول كروغمان استاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا وكاتب رأي في جريدة النيويورك تايمز كتب مقالاً بعنوان “بلادنا التي لا نعرفها” في يوم فوز ترامب في الانتخابات جاء فيه: “ظننا انه في نهاية الامر لن ينتخب المواطنون مرشحا يبدو واضحا كل الوضوح عدم اهليته الى تسلم اي مركز مسؤول  وذو مزاج غير سليم بل ومخيف”. ينهي كروغمان الحائز على جائزة نوبل بقوله: “لا اعرف كيف سنسير من هنا. هل اصبحت الدولة الاميركية دولة فاشلة”؟

2-  اذا عُرف السبب بطل العجب

عند اندلاع الازمة الاقتصادية سنة ٢٠٠٨ كتبت كتابا عنوانه ” ازمة نظام” كان ملخصه ان ما تمر به الولايات المتحدة هو ازمة نظام باكمله لا ازمة اقتصادية وان الولايات المتحدة لن تخرج من الازمة كما دخلتها.

اباطرة المال في وول ستريت وهم اصحاب النظام الرأسمالي الحقيقيون ارادوا رجلا اسود لايام سوداء كانت نتيجة ادوات مالية فاسدة ارتدت عليهم فارادوا من الرئيس القادم ان يقدم لبنوكهم وشركاتهم المنهارة من اموال دافعي الضرائب الكادحين لانقاذ مؤسساتهم. كانت حملة اوباما الرئاسية الاغلى في التاريخ وتَكَفَل بتمويل معظمها  بنوك وول ستريت وشركاته. شكل اوباما لجنة انقاذ من ثلاثة كان ثلاثتهم من وول ستريت وكان ثلاثتهم يهود. فتح هؤلاء صنابير تريليونات الدولارات على وول ستريت ومؤسساته. بنك سيتي غروب  مثلاً مده باكثر من 60 مليار دولار نقدا و300 مليار دولار ضمانات ادوات مالية بالرغم من أنه قد تم تعريفها بأنها فاسدة. وعلى ذلك قس. في المقابل فقد ملايين الامريكان وظائفهم واصبحوا غير قادرين على سداد اقساط بيوتهم فارسلت الدولة برجالها لقذف المتخلفين عن الدفع للشوارع وهكذا تم انقاذ من سبب الكارثة الاقتصادية ومعاقبة ضحاياها.

انتخب البسطاء الاسود الذي كان شعاره ” التغيير” لكن التغيير كان لوعوده فكفر البيض والسود بالنظام الظالم الذي عانوا من ويلاته.

افضل وصف لهذا الظلم جاء من استاذ الاقتصاد جوزيف ستيغلز الحائز على جائزة نوبل حيث وصف ما حدث (بخصخصة الارباح واشتراكية الخسائر).

3-  ولكن هل يوجد في امريكا مسحوقين؟

دعني اقتبس بعض ما جاء بالفصل الخامس عشر من كتابي ” مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة” الصادر في سنة 2014 وجاء فيه:

 كتب الدكتور ديل أركر Dale Archer  مقالين في مجلة فوربس Forbes  الامريكية المحافظة بعنوان :” فروقات الثروة: هل ستقود الى ثورة ؟” ومجلة فوربس ليست مجلة يسارية ولا ثورية بل محافظة تملكها احدى أغنى العائلات الامريكية.  جاء في المقال الاول بتاريخ 4/9/2013 :

” كل الكلام عن تفاوت الثروة في السنتين الاخيرتين يستحضر السؤال : هل ستقود فروقات الثروة هذه الى ثورة ؟… ان اغنى واحد بالمئة يمتلكون 40 بالمئة من ثروة الامة المقدرة بـ 54 تريليون دولار.  هذا يترك فقط 7 بالمئة لثمانين بالمئة من المواطنين . ولنضعها بشكل آخر فإن اغنى 400 امريكي يمتلكون أكثر من ما يمتلكه  150 مليون امريكي أي أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة …”

 ويضيف في مقاله الثاني بتاريخ 11/9/2013 :” يعيش 47 مليون أمريكي على اعانات الدولة للحصول على الاكل (Food Stamps) وحسب احصائيات وزارة الزراعة الاخيرة فإن  15 بالمئة من الشعب الامريكي يمكن اعتبارهم غير واثقين من أين  سيحصلون على وجبة غذائهم التالية …. ولدولة من مصاف الدول المتقدمة فهذا رقم مخيف.”

4-  انتخب الناقمون على ظلم وفساد النظام السياسي والاقتصادي من أدعى أنه سيسعى الى تغييره فجاؤا بفاسد من أركانه لتغييره .

اراد المسحوقون تغيير النظام فجاءوا بترامب وهو من أوسخ ما في النظام . كتبت البروفسورة بلير الاستاذة في جامعة كولومبيا كتاباً عن عائلة ترامب بعنوان : ” الاجيال الثلاثة التي شيدت امبراطورية ترامب ” وجاء في الكتاب أن الجد ترامب كون ثروته عبر بيوت الليل لبائعات الهوى قرب مناجم الذهب في كندا ثمّ كون والده ودونالد ترامب نفسه ثروته من العقارات في نيويورك بالتعاون مع المافيا و بالملاهي وكازينوهات القمار في اتلانتيك سيتي . رجال اعمال ( الليل ) لا يصّدَقون وعودهم فكلام الليل يمحوه النهار .

5-  قفزت السمكة فوقعت في حضن ترامب

المثل الصيني الذي جاء به البروفيسور ليستر ثورو من جامعة MIT في كتابه “ازمة الراسمالية” هو اكبر تعبير عن وضع الطبقة المسحوقة في اميركا والتي انتخبت ترامب. يُشبّه المثل الصيني الاوضاع السيئة التي يعيشها المظلومون في امريكا اليوم (كسمكة كبيرة أُخرجت لتوها من الماء تتحرك بعنف علها تستطيع استعادة مكانها ومحيطها. وفي هذه الحالة لا تسأل السمكة إلى أين تذهب بها حركتها التالية لأنها تشعر فقط ان وضعها الحالي لا يمكن احتماله، وهو أصلاً غير قابل للاستمرار). هذه هي حال الشعوب المغلوبة على أمرها مثل الغلابة الامريكان وكذلك الغلابة العرب ايام الربيع العربي .

يبدو ان احدى القفزات اليائسة قد جاءت في احضان ترامب . فكيف لاحد اركان الفساد ان يحارب الفساد ؟

6-  اليوم كالأمس فكيف سيكون الغد

 قبل أكثر من مئة سنة قام الامریكیون بتأسیس حركة شعبیة أكملوھا بتأسیس حزب ثالث اسموه حزب الشعب قام بالتصدي لمظالم الرأسمالیة المالیة الأنجلوساكسونیة وأصحابھا من بارونات لصوص القرن التاسع عشر ، ولم یثق حزب الشعب بأيّ من الحزبین الموجودین ، وكان لدیھ رؤاه الخاصة ، المختلفة جدّاً ، لأمیركا مختلفة جداً. وكانت طریقة جدیدة ، وثوریة من حیث نظرتھا إلى الأشیاء. وبعد انتخابات 1890الوطنیة، كان لدى حزب الشعب عشرة نواب ، وخمسة شیوخ في الكونجرس ، وتكررالمزید من الانتصارات في 1894 ، وكانت شعارات الحزب الشعبي ھي: ” أموال الشعب”، ” أراضي الشعب ” ، ” ثروات الشعب ” ، ” مواصلات الشعب ” . وقدم الشعبیون ما ھو أكثر من الشعارات، إذ قدموا حلولاً لإعادة ھیكلة الاقتصاد كي یصبح في خدمة الشعب ، ولیس في خدمة القلة من بارونات المال الذین كان النظام مصمماً لخدمتھم ، وما أشبھ الأمس بالیوم ، حیث تحكم رجال المال والأعمال ، البارونات اللصوص، وباشروا سیطرة فعالة على النظام الحزبي الأمیركي شمالاً وجنوباً ، جمھوریین ودیموقراطیین على حدّ سواء ، وجذف الحزبان بعیداً عن المسائل الاجتماعیة والاقتصادیة.

ولعل ما قالھ إيغناتيوس دونيللي  Ignatius Donnelly  في  مؤتمر حزب الشعب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تظن أنه يصف حالة اليوم:

“نعيش في زمن وصل إلى حافة الخراب الأخلاقي والسياسي والمادي.  لقد أصبحت الشركات هي التي تهيمن على الانتخابات والمشرعين  و الكونغرس، حتى وصل هذا الخراب الأخلاقي والسياسي إلى المحكمة العليا….أما الجرائد فهي إما مموُلة منهم أو أنها مكتومة الصوت. كما أن الرأي العام قد تم إسكاته. وبينما يزدهر أصحاب الأعمال فإن بيوتنا مرهونة، وعمالنا معدمون وتسرق الأراضي ليتم بناء ثروات خيالية غير مسبوقة في تاريخ العالم من أناس يحتقرون جمهوريتنا، ويعرّضون الحرية إلى الخطر. ومن رحم اللاعدالة الحكومية تولد طبقتان_ المسحوقون وأصحاب الملايين”.

فهل  سيتم الالتفاف على الحركة الشعبية العفوية التي افرزت الانتخابات الامريكية وليس لها قيادة موحدة ولا برامج واضحة كما تم الاجهاض على حركة ( احتلوا وول ستريت حديثاً  و حزب الشعب قديماً ؟).

7-  وقع بعض العرب في حيص بيص فقال بعضهم: اسرائيل هي الحل لأن “كلب الشيخ شيخ”

بعد ان ظن البعض ان اميركا قد باعتهم بل وطعنتهم من الخلف ايام اوباما وزاد الطينة بلة انتخاب ترامب وما صرح به احتاروا. فأمريكا هي التى اقنعتهم ان الخطر على امنهم وأنظمتهم هي ايران لا اسرائيل والان يأتي اوباما ليتفاوض مع ايران سراً دون أن يكلف خاطره حتى بإعلامهم عن تلك المفاوضات . بل والادهى أنه صرح لمجلة الاتلانتك أن مشكلة أهل الخليج هي سياساتهم الداخلية وشبابهم العاطل عن العمل وليس إيران .

 احتار القوم في ذلك وهل نلومهم ؟ جاءهم من قال لهم انه ناصح لهم بأن اسرائيل هي الحل . ثمّ قالت لهم اسرائيل : لا تصدقوا اوباما ولا ترامب صدقوني : ايران هي عدوتي وعدوتكم،  وكما تقولون انتم العرب  “عدو عدوي صديقي ” اذن فنحن اصدقائكم.

قال قائل منهم من الصهاينة المسلمين الذين “يعشقون” اسرائيل “عشقاً كبيراً” : اسرائيل هي الحل فكلب الشيخ شيخ وحظوة اسرائيل في مراكز القوى في اميركا يعلمها القاصي والداني وحتى من في الربع الخالي،وقال لهم اسالوا علمائكم.  عندها  قالت اسرائيل “فُُرِجت”. فأفتى لهم احد علمائهم بأنه إن جنحوا للسلم فاجنحوا  لها وتوكلوا على الله’

 قال “العاشق “: اسمعوني فسأزيدكم فوق علم علمائكم علماً:إمريكا دولة محتلة تحتلها اسرائيل بالرغم مّن يكون رئيسها. لذلك فإسرائيل هي الحلّ . وهم اولا واخيراً ابناء عمومتنا. “وعشق” هذا القول “عاشقون” اخرون وقالوا اتبعوا علمائكم.  ومن “العشق” ما قتل!!!

وعلى غير ميعاد جاءهم رجل من اقصى المدينة يسعى فقال لهم: اني والله ناصح لكم. هؤلاء كما قال قرآننا الكريم:  لن يحبونا حتى نتبع ملتهم. والله لو وددتموهم لطالبوكم بأراضي خيبر ولطالبوكم بالفوائد عنها لــ١٤٠٠ سنه. ويا قوم عندها لن يكفي بترولكم وسنداتكم في الخزانة الاميركية لسداد مطالبتهم.  وعندها سيطالبون بقطعه من لحومكم كما طالب المرابي شايلوخ المدين انتونيو كما جاء في مسرحية ” تاجر البندقية ” لكاتبها (الشيخ كبير) او من يسميه الفرنجه شيكسبير. وسيصبح لكل واحد منكم  (كفيل اسرائيلي)وانا لا ارضى ذلكم لكم . وما انا الا ناصح لكم  لا اريد لنصحي جزاءً ولا شكوراً .

 مستشار ومؤلف وباحث

رأي اليوم

إضافة تعليق جديد