دعما لقمة نواكشوط العربية رغم التحفظات

20 يوليو, 2016 - 14:26

ليس سرا أن المواطن العربي قد فقد الثقة في كل العمل الرسمي العربي منذ عقود؛ وخصوصا في جامعة الدول العربية؛ تلك المؤسسة التي تحولت من أداة لتوحيد الأمة والتقريب بين شعوبها إلى وسيلة لتفتيت الوطن وتمزيقه وإثارة الفتن والنعرات الطائفية بين مكوناته، وإلى مشرع للتدخل الخارجي في شئونه واحتلال أراضيه وتغيير أنظمته وقهر شعوبه واستنزاف ثرواته...

بل تحولت هذه الجامعة من أداة تجميع قوى الأمة وجهودها لتحرير الأراضي السليبة خصوصا في فلسطين (البوصلة الثابتة لكل نضال عربي جاد)؛ إلى مطبخ سري لتشجيع كل أشكال "التطبيع" السري والعلني مع العدو الصهيوني، ولتصفية القضية والتخلص من أعبائها بالتخلي عن شعبنا الفلسطيني العظيم ومحاصرة قوى المقاومة وابتزازها وإذلالها وتشويهها، ومحاولة اختلاق عدو "استراتيجي" جديد للأمة (إيران تارة وتركيا تارة أخرى)، وتقديم "إسرائيل" على أنها "الشريك القوى" للأمة في حماية أمن المنطقة ومواجهة الأطماع والتدخلات الأجنبية "الفارسية" والعثمانية"؟؟؟؟؟؟

هكذا أصبحت الجامعة وهكذا أصبحت رسالتها ونهجها، وهكذا أيضا كانت نتيجة أدائها الكارثي: تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، انهيار بلدان كثيرة: العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، وتقسيم السودان، وانعدام الديموقراطية، وفشل سياسات التنمية، وتراجع الوعي القومي بوحدة الأمة وبترابط مشاكلها وتحدياتها المشتركة، وموت مفاهيم وشعارات نضالية كبيرة كـ"الوحدة العربية" و"تحرير فلسطين" و"العدالة الاجتماعية" و"الديموقراطية والحرية والكرامة العربية"... الخ

نعلم ويعلم المواطن العربي كل هذا؛ حتى أنه لم يعد لهذا المواطن أي اهتمام بما يصدر عن هذه المؤسسة الميتة بكل أفرعها ومؤسساتها وأذرعها وفي مقدمتها مؤتمر "القمة العربية" الذي يستعد الآن لعقد "قمة أمل" بنواكشوط بعد أن كاد إخواننا في المغرب الشقيق يقضون على هذه المؤسسة برفضهم استضافة قمتها؛ فنالت موريتانيا شرف المبادرة بتحمل أعباء استضافتها في ظرف عربي شديد الحساسية والدقة والخطورة، وهي مبادرة تستحق التقدير لأسباب عديدة لعل أهمها:

1) أعتقد أن اعتذار المغرب عن احتضان القمة العربية جاء (عن عي أو دون وعي) ضمن مسلسل التآمر على مؤسسات العمل العربي المشترك ومحاولة تصفية تلك المؤسسات التي لا يمكن أن يكون فشلها سببا في التخلص منها قبل بناء مؤسسات بديلة أكثر جدية ومصداقية، بل إن الحفاظ على الموجود يظل أولى من طلب المفقود، فكيف إذا كان رفض التعامل مع هذا الموجود لم يقترن باقتراح بدائل أو الدعوة للبحث عنها.

2) نعتقد جازمين أن موريتانيا هي واحدة من ثلاث أو ربع دول عربية ما زالت بعيدة كل البعد عن شبهة التواصل السري أو العلني مع العدو الصهيوني، وهي أيضا من دول عربية جد قليلة مازال موقفها الرسمي والشعبي شديد التشبث بدعم نضال الشعب الفلسطيني ورفض كل أشكال الاعتراف بالعدو الصهيوني والتطبيع معه؛ وهو ما يعطينا الأمل بأن تكون قمة نواكشوط أقدر من غيرها من القمم السابقة على إعادة قضية الأمة الأولى إلى مكانتها في سلم اهتمامات المؤسسات الرسمية للجامعة العربية، كما يطمئننا في أن هذه القمة لن تكون فرصة لمزيد من التآمر الرسمي على قضيتنا المركزية.

3) ثم إن موريتانيا تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي ظلت تحرص على إقامة علاقات طيبة مع جميع الدول العربية والابتعاد عن صراعاتها البينية، وعدم خضوع علاقتها مع أي نظام حكم عربي سوى لمقتضيات مصالحها الوطنية وسيادتها واستقلال قرارها السياسي، وهو ما سيمنح بلادنا قدرة كبيرة على المساهمة في تنقية الأجواء العربية والحد من خلافاتها البينية.

4) إن هذه هي أول قمة عربية تعقد في موريتانيا، التي ظل إخواننا العرب (حتى عهد قريب) يجهلون عنها كل شيء تقريبا؛ رغم كل العطاء الثقافي والأدبي والفكري والديني الذي قدمه سكان هذا البرزخ خدمة للأمة، ونشرا لدينها، وإنارة لحضارتها، ودعما لنضال شعوبها... فلتكن هذه القمة أيضا فرصة ليتعلم ضيوف موريتانيا العرب من إخوتهم الشناقطة مزيدا من التعلق بالعرب والعروبة، ترحيبا بالإخوة وإكراما لهم وإكبارا.... ولكن أيضا إكراما لشعوبهم وذلك بتذكر قضاياهم الكبرى وتذكير الضيوف بها، وفي مقدمة تلك القضايا: تحرير فلسطين، وإنهاء الفتن الطائفية، وتحقيق مطالب الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية... وقبل كل ذلك وبعده ومعه: إعادة بعث مطلب وشعار "الوحدة العربية" بصفتها الحل الوحيد الأكيد لكل مشاكل الأمة في زمن التكتلات الكبرى والأحلاف التوسعية والدول العملاقة...

وهذا ما نتمنى أن تعكسه صفحات جرائدنا ومواقعنا، وفضائياتنا، وحناجر المستقبلين المحتفين بضيوفنا...

والله من وراء القصد و"هو يهدي السبيل"

محفوظ الحنفي

إضافة تعليق جديد