التاريخ.. إبحار ضد تيار البناء.. أم دفع توكلي للارتقاء/الولي ولد سيدي هيبه

20 يناير, 2016 - 15:19

لما أن التاريخ هو مرآة الأمم ، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها و تستلهم من خلاله مستقبلها فإنه من الأهمية بمكان، الاعتناء به، والحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً خاليا من الشوائب و الرواسب، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهم و محفزا على الاستشراف الممنهج لمستقبلهم . فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوامها، تحيى بوجوده وتموت بانعدامه .

ونظراً لهذه الأهمية التي يكتسيها التاريخ في حياة الأمم  يلجأ الأعداء حينما يكتشفون عدم اكتراث الشعوب به و إهمالهم كتابته و توثيقه و حفظه فيدسون أنوفهم فيه لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، بأن يدخلوا فيه ما يفسد جوانب كثيرةً من الحقائق، و في قلب عديد الوقائع، فيقيمون تاريخاً يوافق أغراضهم و يلائم أهواءهم ويخدم مآربهم، ويحقق  أهدافهم.

و لكن الاهتمام بالتاريخ يجب أن لا يفصل في السياق بتاتا عن الحاضر بكل دينامكيته وضرورة استقائه القيم المثلى من صيرورته حتى يتم تحديد الصواب من الخطأ إعتمادا على ما هو موثق ومساعد على معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها، إذ الحاضر مطالب كلية بالقدرة على الاستشراف المبني على مصداقية القائم منه على قواعد الماضي.

أما وإن أهمية التاريخ بهذا الحجم فإنه لا ضير مطلقا في تناول المراكز البحثية لأوجهه المتعددة كتابة و دراسة و تمحيصا إسهاما منها في التنوير كالندوة العلمية التي نظمها  مركز "مبدأ"، حول كتاب "الحركة الفكرية في بلاد شنقيط حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري (القرن 18 الميلادي) لمؤلفه د.عبد الودود ولد عبد الله الملقب ددود؛ و لكنها المراكز المطالبة كذلك بتنظيم ندوات حول المواضيع العلمية الملحة و البلاد لا تقدم إلى الأمام قدما إلا و تقاعسها نخبها الفكرية و السياسية قدمين إلى الوراء.

فأما النخب الفكرية ففاترة و مرتكسة بفعل جاف المعالجات و أبعدها عن دفع عجلة الفكر النهضوي الخلاق إلى بؤر أنوار عصر مميز بما وصل إليه العقل فيه من تفتح وقدرة على الإبداع؛

وأما النخب السياسية فمنتكسة و خائرة العزائم بفعل انشغالها عن قصد السياسة النبيل من تهافت لغاية السلطة المجردة من بعدي الوطن و المواطن و غياب الخطاب البناء و الفلسفة الموجهة؛

و بين الإثنين كبت الشعب عن الحراك إلى أحد أمرين:

·        أولهما سجن الأمية بأبعادها الثلاثة التي هي:

ـ الأمية المدنية التي ما كان لها لو ألقت بظلالها إلا أن تدفع حركة الحراك المدني إلى طلب التحول الذي يفرضه العصر حتى لا ترتهن البلاد لحيز التخلف الذي يفضي إلى الزوال،

ـ و ثانيهما الأمية السياسية، فعلى العكس مما يشاع من أن الشعب الموريتاني مسيس، و ما تعانيه البلاد من أزمات في ذات معنى السياسة دليل صارخ على استحكام الجهل بها و بمقاصدها و البعد عن توجيهها أداة طيعة للبناء و المساواة و المنعة و الأمن و الرخاء،

ـ و ثالثها الأمية الحضارية والتي باستشرائها ضاعت بوصلة الأمة فجهلت ماضيها و تراخت عن حاضرها و أغفلت مستقبلها وكأنها في حل من ضمان بقائها.

أميات مجتمعة في واحدة اسمها أمية إهمال متطلبات الوطن و الانصراف بالبلد إلى دوافع تقويض قيامه و السباحة به عكس التيار و بأشرعة مهترئة و مجاديف تآكلت بفعل سوسة الخمول و التغني على إقاعات النرجسية الناعسة المتكئة عبثا على خلفية ماضوية متجاوزة.