وقع الفأس برأس أردوغان فمن ينتصر: “القيصر” أم “السلطان”؟..

29 نوفمبر, 2015 - 20:55

وقع الفأس برأس أردوغان فمن ينتصر “القيصر” أم “السلطان”؟.. أردوغان لنا أم علينا؟.. حرب باردة بين روسيا وتركيا وحقيقة عرض صور لنجله مع قيادات داعش

كانت جدّتي تنصحنا دومًا بالتفكير مليًّا قبل القيام بأيّة ردّة فعل أو سلوك ما، بخاصة في أوقات الغضب عندما يفقد الشخص سيطرته وأعصابه. مستعينة بمثلنا التراثي القائل “قبل ما تقيس غيص”، وقبل أن “تقع الفأس بالرأس″، كناية عن الضربة القويّة المميتة التي تصيب الرأس، لأنّ هذه الضربة ليست من السهل أن تشفى، وفيه جميع الحوّاس وأهمّها المخّ، وفيه اللسان الذي يُحاسب عليه، وعلى قوله الإنسان.

وبما أنّه “ليس في كلّ مرّة تسلم الجرّة”، ولأنّ التعامل مع الأحداث ورجالات السياسة يختلف من زعيم لآخر، فالنتائج مختلفة أيضًا، لأنّ الحسابات والعقول تختلف أيضا، فـ “غرور” السلطان التركي رجب طيب أردوغان كما ينتعه الكثير يختلف عن “عناد” و”تعنّت “القيصر الروسي” فلادييمر بويتن؛ فوقعت “الفأس في الرأس″، نتيجة التصرّف التركي المتسرّع وغير الموفّق في إسقاط الطائرة الروسيّة، معتقدين بأنّ روسيا ستمرّ مرور الكرام على هذه الحادثة، وعفا الله عمّا مضى. لكن “التعنّت” الروسي سارع في فرض سلسلة إجراءات اقتصادية عقابية تشمل حظر الرحلات التشارتر بين روسيا وتركيا، ومنع أرباب العمل الروس من توظيف أتراك، وإعادة العمل بنظام تأشيرة الدخول بين البلدين، ووقف رحلات الطيران التجاري مع تركيا، إضافة لإيعاز الرئيس الروسي لشركات السياحة الروسية بالامتناع عن تنظيم رحلات للمواطنين الروس لتركيا، وأخيرًا تشديد الرقابة على شركات الطيران التركية على الأراضي الروسية لضمان الأمن.

حتّى لا نظلم أردوغان، لا ننكر مواقفه الإنسانيّة تجاه اللاجئين السوريين، ونهوضه في دولته؛ ولكن بعيدًا عن التحليلات العاطفيّة كان الحري بـ “السلطان” أن يتمتّع بالحنكة السياسيّة، ويقوم بالاعتذار لبوتين دون مماطلة، وهذا لن ينقص من قدرِه، لكنّ أردوغان برأينا أخفق في ذلك، فهو بدا كالمتردّد، الذي لم يرسِ على برّ، فهو من جهة شعر بالقلق من تداعيات هذه القضيّة، ولا يريد توتير العلاقات بين البلدين، وبنفس الآن لا يريد تقديم اعتذاره بالفم المليان، وبذلك بقيت “التحليلات” والتأويلات في هذه القضيّة تشغل وسائل الإعلام العربيّة، التي طرحت بعضها أسئلة هامّة، منها، هل هناك من أوعز لتركيا بإسقاط الطائرة ليوقعها في الفخّ؟!.

من هذا الباب كان أولى بـ أردوغان التريثّ قليلا والتفكير في الفائدة التي سيجنيها من إسقاط الطائرة، ونحن لسنا ضد الحفاظ على الحدود الجويّة أو البريّة لأية دولة، لكن في مقابلته مع ” فرنسا 24″ والتي أجرتها القناة معه من قصره، قال أردوغان إنّه لو علم أنّ الطائرة روسية لكان تصرّف الطيران الحربي التركي مغايرًا، وما قاله لم يقنعنا،  ولو تريّث أردوغان قليلا لما فتح المجال لمن يترصّدون بتركيا وبنجاح نموذجها الديمقراطي المعدوم في غالبية الدول العربيّة، وبعضهم يحلم بتدمير هذا النموذج، لما وقع في الفخّ المنصوب له.

لدينا بعض التساؤلات التي نطرحها، ومنها ما حدث خلال أزمة سفينة مرمرة التي كانت متوجهة لغزة المحاصرة ومحمّلة بالمؤن، ومنعتها إسرائيل من الدخول واستشهد العديد من الأتراك الذين كانوا بها، فماذا فعل أردوغان حينها؟ لقد قام بسحب السفير التركي من إسرائيل، وألقى الخطابات الرنّانة، لكنّه بالمقابل لم يقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، وحسب التقارير الإسرائيلية فإنّ حجم التجارة لم يتراجع سوى قطاع السياحة الذي تأثّر قليلا، ولم يتّخذ “السلطان” وقتها خطوة عمليّة التي بإمكانها أن تضّر بالعلاقات بين الدولتين، ولو نظرنا إلى خطوات بوتين وكيف تعامل مع تركيا لرأينا أنّ الأخير قال ونفّذ، وطبعا هنا نتحدّث عن حقائق واقعيّة بدون عواطف أو تمنيات، وليس حبًّا أو مدحًا في بوتين وغيره، ومن هنا نطرح تساؤلا آخر، وهو هل فعلا أنّ “السلطان” لنا ومعنا، أم هو علينا؟  وهل كلّ ما يقوله ينفّذه؟ نترك لكم الإجابة.

وأخيرًا، نظنّ أنّ العلاقة الروسية التركية ستجد طريقها للحلّ، ومخرجًا لهذه الأزمة من خلال تسوية يحفظ ماء الوجه لأردوغان، ويرضي “القيصر” الذي بدأ يفرض وجوده على الساحة السياسية في الشرق الأوسط بشكل قوي.

نجل أردوغان وداعش

 من تداعيات إسقاط الطائرة الروسية واحتدام التوتّر بين تركيا وروسيا، انتشرت في العديد من المواقع الإخبارية صورة لنجل الرئيس التركي بلال أردوغان، مع مجموعة من الأشخاص قيل إنّهم من تنظيم “الدولة الإسلاميّة” المعروفة بداعش. وسرعان ما “لقفت” بعض القنوات هذه الصورة، كما فعل الإعلامي المصري أحمد موسى، في برنامجه “على مسؤوليتي” على قناة “صدى البلد”، حيث قال إنّ تركيا تعدّ الداعم الأساسي لتنظيم داعش، والممّول لها بالسلاح والأموال، لافتًا إلى نشر روسيا مستندات تثبت شراء تركيا السوري والعراقي من هذا التنظيم.

“موسى” أكّد أنّ تركيا دولة تدّعي سيادة القانون على أراضيها، رغم أنّها من أكثر الدول التي تنتهك القوانين الدوليّة، مشيرًا إلى أنّ أردوغان قد عيّن صهره وزيرًا للطاقة ويوزّع المناصب على أقاربه، ومحذّرًا من المؤامرات التي تُحاك ضدّ مصر.

بعدما شاهدنا الصور التي نظنّ أنّها مفبركة، والفبركة ليست من الأمور الغريبة والجديدة، وهذا ليس من باب الدفاع عن نجل أردوغان، لكنّ هذه الصور لماذا انتشرت في هذا التوقيت بالذات؟ ومن قبل روسيا تحديدا؟ وهل هناك رجل سياسة يجرؤ عن التعبير عن تأييده علنًا لداعش، الذي يُحارَب من دول العالم، لكن يبدو أنّ هذه الصورة التي باشرت روسيا بنشرها ما هي إلا جزءًا من الحرب الباردة التي اشتعلت مؤخّرًا.

لطيفة اغبارية (كاتبة فلسطينيّة)