موسيقيون من مالي يغنون للحب والوطن في موريتانيا

29 نوفمبر, 2015 - 11:31
أسطورة العزف على آلة تيهاردنت، أمانو عيسى، أسس فرقة تارتيت الثقافية في مخيم للاجئين في موريتانيا، وجال العالم عازفاً موسيقاه.

أولئك الموسيقيون في مخيم مبيرا للاجئين، في المنطقة القاحلة المتاخمة لمالي، هم من بين أكثر من 130,000 شخص فروا من مالي منذ اندلاع أعمال العنف عام 2012. غالباً ما تركز أغانيهم على حياة الغربة والنضال والحب، ولكنَّ الرسالة العامة هي الوحدة التي تشجع الناس على عدم الاستسلام.

أمانو عيسى، هو أحد القلائل الباقين على قيد الحياة ممن يستطيعون إخبار قصص عن المواجهات الأولى بين الفرنسيين و"الرجال الزرق"- وهو مصطلح غالباً ما يطلق على شعب الطوارق بسبب ملابسهم ذي اللون الأزرق النيلي. نظراً لمعرفته الواسعة بثقافة الطوارق، يعتبر هذا الرجل العجوز الذي يعزف على العود التقليدي الذي يُسمى "تيهاردنت"، مخزناً حياً لتاريخ مالي. فعام 1994، وفي أعقاب الجفاف والاضطرابات في مالي، أسس فرقة "تارتيت" الثقافية في مخيم للاجئين في موريتانيا، وجال حول العالم عازفاً موسيقاه.

تُعرف الفرقة اليوم باسم "تاديازت"، ما يعني في لغة التمشق "الحفاظ على الهوية الثقافية". وتتألف الفرقة من أمانو وأولاده السبعة- بعضهم يعزف الموسيقى، ويعنى البعض الآخر بإدارة الفرقة والترويج لها. عادوا إلى مبيرا بعد حوادث العنف في باماكو عام 2013.

أول أغنية لأمانو- "يال"، التي ألَّفها عام 1948- تشيد بأولئك الذين ناضلوا من أجل استقلال مالي من فرنسا الذي تحقق عام 1960. ويعكس صوته الأجش واقع المعركة:

"للرجال الأشداء مهام كبيرة تجاه المجتمع، ولا مكان للجبناء!

هذه الأغنية ليست دعابة، ليست من قبيل الصدفة!

تذكرنا بمن ضحوا بدمائهم للدفاع عن ثقافتنا.

إنها تاريخ تمبكتو".

وفيما يبطئ الإيقاع، تعزف امرأة على الـ"إيمزاد"، وهي آلة مقوسة ذات وتر وحيد، صنفتها اليونيسكو بين التقاليد الثقافية المهددة بالانقراض.

ويقول أمانو: "يكمن خوفي الحقيقي في تخلي الشباب عن ثقافتهم. أرى فنهم بمثابة تطور للوعي الثقافي الذي يكمل قيمنا الأصلية ولا يتعارض معها، طالما أنهم يتابعون هدف مجتمعهم المشترك".

وعلى الرغم من أن الثقافة الشفوية تنتقل عادةً من الأب إلى الابن، يعلم أمانو كل من يرغب في أن يتعلم. فلديه حالياً 15 طالباً تبدأ أعمارهم من 12 عاماً في المخيم. سيقدرون لحسن الحظ تراث "تاديازت" ويحافظون عليه، بما أن الرجل العجوز توقف عن إنتاج الموسيقى منذ عودته إلى المخيم.

ويقول أمانو: "باعتبارنا لاجئين، من الصعب دعم ثقافتنا. ولكن، بما أنني أتحمل مسؤولية مجتمعي، لن أسمح بأن تسود المشاعر السلبية. لدينا مسار نتتبعه؛ نحتاج فقط لأن يخطو الناس في هذا الاتجاه".

شارك عطايا محمد، المغني وعازف الغيتار البالغ من العمر 35 عاماً، في ما مضى مع تيناريوين وتيراكفات، وهما فرقتان ذات شهرة عالمية من شمال مالي. ولكن عندما اقتحم المتمردون منزله في بلدة ليري، في تمبكتو، في مارس/آذار 2013، هرب غرباً إلى موريتانيا. لجأ أوَّلاً إلى المفوضية في بلدة فاسالا الحدودية، حيث تلقى وعائلته المساعدة قبل أن ينتقلوا إلى مخيم مبيرا للاجئين.

في مسقط رأسه، شكل عطايا فرقته "تاساكي" عام 1999، بعد عودته من ليبيا حيث أمضى ستة أعوام، وقد أُجبر مثل كثيرين غيره على السفر إليها بحثاً عن عمل بعد فترة الجفاف الشديد. هنالك تواصل عطايا مع فرق البلوز الصحراوية وبدأ يكتب عن منفاه الاقتصادي ويعبر عنه بالأغاني. ومنذ ذلك الحين، يفضل أن يدع الغيتار يتحدث عنه، على اعتبار أن "الغيتار صوت الروح".

موسيقى عطايا تثير شعور الحنين من الترحال:

"كل شيء نعانيه في رحلتنا يطبع فينا ذكريات لا تُنسى عن أنفسنا.

حياة الغربة قهر لا يقاوم، يجبر الناس على الابتعاد عن أوطانهم.

ولكن لا شيء في الحياة يمكن أن يسلب حب الشخص لموطنه الأصلي".

ويتذكر كذلك مسقط رأسه:

"يا إخوتي، لا يمكننا أن ننسى مذبحة ليري.

أغني لليري. هناك تركت كل شيء".

بالنسبة لأشخاص مثل عطايا، العودة سلمياً إلى ديارهم هي الحل الوحيد، ولكنَّ ذلك لا يبدو محتملاً في المستقبل القريب.

مع حماسته المحببة والممتعة، هاما أويسون موسيقي محبوب قادر على تعبئة المجتمع بأغانيه في مخيم مبيرا. إنه ابن زعيم ديني ما زال يعارض مهنته الموسيقية، وكان فتى لاجئاً في موريتانيا عام 1993 عندما صنع أوَّل غيتار له بنفسه من القصدير المعاد تدويره وبدأ يعزف.

على الرغم من التحديات، أدى هاما موسيقاه في مختلف أنحاء مالي وموريتانيا حتى عام 2012، حيث شارك في مهرجان يُعرف بـFestival Au Désert (مهرجان الصحراء) الذائع الصيت عالمياً. كان ذاك الحفل الأخير للمهرجان قبل أن يضع العنف حداً لكل الأحداث الفنية في مالي ويجبر هاما على الفرار. ولكن كونه لاجئاً لم يثبط عزيمته، بل دفعه إلى لعب دور فعال في رفع مستوى الوعي بين اللاجئين. كرس أغنيته "تافليست"، وتعني "الثقة" في لغة التمشق، لتشجيع اللاجئين على ألاَّ يفقدوا الأمل.

يكتب هاما أغاني الحب، حيث يمكن تفسير مفهوم الحب بأنه التزام بقضية أو بأنه الحب لبلد الأصل:

"أعرف أين تقع الصحراء.

أدعوك، روحي، أن تواصلي العيش.

الحب حديقة، إن لم تروِها، ماتت.

الحب دين. حين نتوقف عن الصلاة، يضيع".

بقلم هيلينا بيس، نواكشوط، موريتانيا