حرب العمالقة في زمن القزمنة العربي: بوتين وأردوغان والتعصب الأعمى

26 نوفمبر, 2015 - 23:21

تعصبنا الأعمى :بين الحقيقة المطلقة والعدوالأزلي   نجح اردوغان بالأمس شد انتباهنا جميعا بعد إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية السورية . وتسمرنا جميعا امام الشاشات لنرى كيف سيتم التعامل مع حرب العمالقة في زمن القزمنة العربي. مما لا شك فيه ان دخول روسيا على الخط في دور رسمي ومباشر مع النظام السوري […]

تعصبنا الأعمى :بين الحقيقة المطلقة والعدوالأزلي

نجح اردوغان بالأمس شد انتباهنا جميعا بعد إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية السورية . وتسمرنا جميعا امام الشاشات لنرى كيف سيتم التعامل مع حرب العمالقة في زمن القزمنة العربي. مما لا شك فيه ان دخول روسيا على الخط في دور رسمي ومباشر مع النظام السوري قد قلب الطاولة رأسا على عقب. ومما لا شك فيه ايضا ان هذا التدخل كشف الغطاء عن عورات امريكا واوروبا في دعمها لداعش والفئات المتطرفة هناك. ولم يعد التدخل الاسرائيلي بين الفينة والفينة ، من غارة هنا ودعم لهذه الفئة او تلك ،من مساعدات وعتاد وعلاج من نسج الخيال وفكر المؤامرة.بل حقيقي وواقع وتعترف به اسرائيل ولا تخجل.

ما يجري بسوريا اليوم هو تكملة لما جرى قبل اربع سنوات عندما التهى العالم بليبيا واستطاعت كل الدول الطامعة ان تعد العتاد لسوريا التي نعيشها اليوم . فالمتضررون والمستفيدون من الوضع السوري اكثر بكثير من اولئك في ليبيا . فحدود سوريا نفسها كانت كفيله بأن تخلق جبهات متعدده : العراق (امريكا) ، لبنان (ايران) ، تركيا، السعودية ، الأردن واسرائيل وحتى قطر . فهناك النفط الوفير وخطوط الغاز التي يقوم عليها اقتصاد معظم الدول الكبرى. تدخل روسيا الرسمي في دعم الاسد ومحاربة داعش زاد من الامر تعقيدا . تحولت داعش خلال الاربع سنوات لمصدر (مهرب) للنفط الذي صارت الدول المختلفة تعتمد على المكاسب منه مقابل السباق على بيع الاسلحة وغيرها من الامدادات في سوق الحرب .

المعضلة اليوم ، تكمن في رؤيتنا وتوجهنا نحو ما يحدث كشعوب. وتكمن الإشكالية في دفاعنا وهجومنا . فنحن مع او ضد . لا يوجد ما بين . وهذه المعضلة كشفت عوراتنا كما كشف تدخل روسيا عورات دول التحالف. فنحن انفسنا الذين هللنا لثورة سوريا وسقوط الاسد ، نريده ان يبقى اليوم . ونحن انفسنا الذين رحبنا بداعش وداعبتنا فكرة الدولة الاسلامية العتيدة في الشام والعراق ، وشهقنا شهقة المتعطش للأنفاس الى حلم دولة الخلافة. نحن انفسنا من شكرنا وقدرنا موقف تركيا في فتح الحدود “للجهاد” واللاجئين (بالاتجاهين). ونحن انفسنا الذين نلعن تركيا ونترهب اليوم من مطامع اردوغان في الامتداد التركي\العثماني. نحن انفسنا الذين اغمضنا اعيننا امام الدعم الامريكي للإرهاب ونحن انفسنا من نسب امريكا ليلا ونهارا وننتظر يوما نراها تتهاوى انقاضا. نحن انفسنا من وقفنا شاهدين على اشعال فتيل الفتنة ما بين العرب والمسلمين وهرولنا نحو صفوف السنة او الشيعة. نحن انفسنا من شاهدنا “المجاهدون” في مستشفيات اسرائيل ، وقررنا ان نغض البصر عن “اكراميات” العدو في سبيل نصرة الدين او الدولة او او او ..كل منا يغني على موال يريد ان يسلطن عليه ولا يتقن حتى كلماته او الحانه.

نحن شعوب ” معهم معهم ..عليهم عليهم” . استبحنا الدم العربي بين شيعي وسني . كردي واسماعيلي وزيدي وتركي مسيحي ومسلم . نصرة ،داعش، قاعدة، جيش اسلام ،جيش حر وجيش سوريا والاسد.

اصبنا بحالة من “التوحد” الذي لم نعد نقدر فيه حتى على التعامل مع أنفسنا . مصابون بحالة من الذعر والتهجم والدفاع المستميت وكأن اي رأي مخالف هو رأي مصيري ضدنا .

واليوم اصطفافنا مع او ضد اردوغان او بوتين في الحرب ضد داعش، النصرة،….. او الأسد، يزيد من وضعنا إحباطا . فكلنا إما نحلل ما يبطل حجة هذا او ذاك . يبرر لهذا او ذاك . والشعب السوري قد تهجر وتشتت وصارت جثث ابنائه بحجم ارض سوريا . ونقف دفاع المستميت او هجوم المقاتل الأشرس.

وكأن تحرير سوريا على ايدي بوتين هو من أجل خدمة العروبة والإسلام والكينونة القومية . أو توغل اردوغان فيه تهديد لعرش العروبة واسترجاع الهيمنة العثمانية.

كتبت بعض العبارات بالأمس قائلة:” أنا مع أن تحتل(تسترجع) تركيا أي أرض تستطيع ان تحصل عليها بسوريا.. فتركيا أولى من كل الموجودين على الساحة.بالنهاية تركيا تسترجع بهذا أراضيها .. انا مع ان نصبح جميعا تركيا….. من الممكن ان يكون اردوغان مهووس بالسلطة ، ولكنه بالنهاية افضل الموجودين من الحكام . كذلك الامر بالنسبة لبوتين ( على الصعيد الشخصي انا شديدة الاعجاب بقيادة الشخصين لبلدهما ) ولكن بوتين في نهاية الأمر روسي وشيوعي المنبت ، ولم ننس بعد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان وما ترك وراءه من دمار صار منجما للدمار في العالم. وايران ليست بالسيئة ، ولكن بالنهاية هناك عقدة الشيعي في عالمنا السني ، لدرجة اننا عند ذكر إيران نؤثر اليهود عليهم. ووضعهم مع مسألة الحريات ليس بالافضل . تركيا نموذج إسلامي علماني ناجح.. الجواز السفر التركي محترم أكثر من كل جوازات السفر العربية(انا فلسطينية اعترف بأن عندي عقدة جواز السفر). تخيلوا لو انه دخل الى سوريا التي هي بالاصل اراضي الامبراطورية العثمانية حتي اقل من مئة سنة . وسوريا وكل دول اليوم هي دول انتداب .. بالنهاية كل ما هو قائم بالأصل نتيجة استعمار .. انا مع ان تحكم تركيا الشرق الاوسط كله” .

بين جدية كلامي وهزله ، أردت ان اثير فكرة قد تكون مطروحة بالسياسة التركية او لدى اردوغان نفسه . هناك قراءة مختلفة كلية للتاريخ فيما بين ما تعلمنا في هذه المنطقة عن آخر ايام الدولة العثمانية وبين ما حصل فعلا.

وطبعا هناك دخلت بالمس “بالمحرمات” . فالثورة العربية مقدسة ورمزا للتحرر العربي من “الاستعمار ” العثماني، هكذا كان الكثير من فحوى الردود. ولن أنكر تأثري الاخير بما قرأته من مذكرات الدكتور حسين فخري الخالدي التي بدأ بكتابتها سنة ١٩٤٧ وتحمل عنوان ” ومضى عهد المجاملات”. ولا انكر كذلك ان هذه القراءة كانت كالشعرة التي قسمت ظهر البعير . هناك مراحل مختلفة دخلت فيها باسترجاع تاريخنا الفلسطيني توقفت عندها على مدار السنوات العشر السابقة بحرص شديد وتوجس مريب . وكأني جزء من تاريخ النكبة والنكسة التي كان اهلي من ابنائها . تاريخ به من الحزن الذي يدفن تحته الكثير من الخزي الغير محكي. منطقة ما بداخلنا لا نقترب منها . ذاكرتنا الفلسطينية الجماعية فيها الكثير من اللا وضوح والمنسي بالرغم من استمرارها ومعاصرة من عاشوها. فبدأت مشوار بحثي بقراءة دفاعية من قبل غير العرب كإيلان بابيه . كانت قراءة صعبة في قلب المأساة والنكبة الفلسطينية . الظلم الذي وقع على شعب كامل ولا يزال وهجره وشتته في المخيمات. قراءة تشبه ما كنت اشعره وعشت على فهمه ، باننا شعب تم احتلالنا من مغتصب خطط ودبر وتآمر من اجل نهب أراضينا وقتل شعبنا . قراءة الضحية المطلقة. في مرحلة تالية ، توقفت امام ما جرى بغزة بعدوان تلو العدوان ، وصرت اتساءل بالدور العربي . وهناك بدأت محاولاتي بسحب الخيوط من احجية الملهاة الفلسطينية . عندها قررت ان اسرائيل ليست الا جزءا من المأساة التي حلت علينا ،كان العرب كما الانجليز جزءا منها . في العدوان الاخير على غزة رأيت مشهدا اعاد لي تصور هلامي اعادني للنكبة. غزة ومقاوميها ومقاومتها امام العدو المباشر اسرائيل ، والموقف العربي من الحكومات التي اكتفت في احسن الاحوال في اخذ دور المتفرج ، وفي اسوئها كانت جزءا من العدوان على غزة. ودور القيادة الفلسطينية في الشق الآخر من الوطن المقسم المهشم الذي كان في احسن احواله هشا وسلبيا ولا يرقى ولا بأي طريق الى مستوى الحدث. ولا اعرف ما هو دور القدر برمي هذا الكتاب بطريقي ، ولكني وجدت به ضالتي ، او لربما القطعة الاخيرة من الاحجية . نكبتنا الفلسطينية لم تبدأ بنكبة ١٩٤٨ ، ولم تكن بوعد بلفور . ولكنها كانت واستمرت منذ ١٩١٩ عندما انقسمت القيادة الفلسطينية بين “آلمجلسيين” و “المعارضة ” ( حرب العائلات المقدسية الحسيني (متمثلا بجمال الحسيني ، وتبعيا للحاج امين الحسيني )، والنشاشيبي (متمثلا براغب النشاشيبي )) . في تلك اللحظة انغمست القيادة الفلسطينية في صراعها ، كهذا الذي نعيشه في السنوات الاخيرة ما بين فتح وحماس ، بينما كانت الصهيونية لا تزال وليدة ، لم يكن ليقوم لها قائمة ، وسوء القيادة ادى الى نخر الصهيونية في الارض والجسد الفلسطيني حتى اصبح الوطن لديهم مصالح ومكاسب خاصة . ومع حلول اعلان الدولة الصهيونية ، كانت اسرائيل قد قامت منذ اكثر من عقدين والقيادة الفلسطينية ترقب وتشاهد وفي احيان كثيرة تتفاعل !!! والشعب بالمقابل يقاوم ويقتل ويضحى به من اجل مكاسب افراد ..انتكب والوطن وسمنت كروشهم وعاشوا برغد المهجر الذي صنعوا منه منبرا لوطن بصدى وطن لشعب لا زال يسقي من دماء ابنائه تراب الوطن ومن ارواح الشهادة عبق السماء.

فأفجع كإنسانة لا زالت تحلم حتى لحظات قريبة بقومية العروبة وبصدق الوطنية وبعدالة القضية ، بوجود اتفاقيات وتفاهمات كتلك التي نعاصرها اليوم ولا نعرف بها . كاتفاقية وايزمان والحسين ، وذلك قبل اتفاقية سايكس بيكو التي نعيش تطبيقها الويم. ومراسلات\تفاهمات مكماهون والحسين التي بنيت عليها خريطة المنطقة والتي لم يكن من الصدفة ان بريطانيا رفضت ولعقود فتح الارشيف عن تلك الوثائق حتى مؤخرا.

ما احاول الوصول اليه ، وانه في الحروب الكبرى المعلنة كما في الحرب العالمية الاولى ، والغير معلنة كالحرب اليوم بين القوى . لا تشكل قياداتنا العربية الا دور المقاول فيها في احسن الاحوال. ونحن الشعب الحطب الذي يشعل فيه النار وقت الحاجة .. ونحن بلا وعي او ادراك نصبح جزءا من حرب المزاودات في عالم المقاولين .

وعودة الى البداية .. وردود الافعال على ما قلت ، كانت بالموافقة المتحسبة من أنصار “حزب الإخوان” السابق، والذي انتشى وللحظات شعور عودة الخلافة وانتشى معهم اردوغان ، الا انهم عادوا ليصبحوا خلايا نائمة في ظل هذا التطرف الارعن الذي ارتبط اسمهم به حتى لم يعد المختلف معهم التفرقة بينهم وبين اي متطرف اسلامي. وهب مناصروا القومية الحالمة في ثورة أبدا لم تقم ، للهجوم على هكذا فكرة او مجرد البوح فيها . فكيف افكر في عودة البطش العثماني ، وكيف اتنكر للثورة العربية التي رفعت اعلام الوطن والقومية ؟ وكيف اقف مع العدو ، فلا بد ان متلازمة ستوكهولم قد أصابتني وأن حبي للسادي غلبني؟ وتعطشي للذبح العثماني ؟ وووووووووو .

الاشكالية كانت في عدة اماكن : الاولى تحميل كلامي الجدية المطلقة بلا فوارق او نقاط. بلا ادني توقف وتساؤل او تأمل . وكأن قولي هذا سيجر اساطيل اردوغان المجهزة على مداخل البحار ، مدفعياته على مداخل الحدود البرية في انتظار رأينا او جهة نظرنا .

وكأن الكلام في مصلحة اردوغان هو ضد بوتين ومعارضة له . وكأن الموقف سيحسم بنا الآن .

مما يأخذني الى المكاني الثاني ، وهو ظننا الذي يبدو انه مختوم باليقين بأن اردوغان او بوتين او اي آخر يرانا اصلا او يحسب لنا اي حساب. اردوغان مصالحه تركية خالصه ، بها السياسي والعقائدي ربما . وبوتين يريد ان يدخل سباق القوة المقابل لامريكا بقوة لاستعادة مكانة روسيا العظمى اولا ، والمحافظة على خط انابيب الغاز علنا . فهدف بوتين كذلك اولا واخيرا هو روسيا وليس نحن.

لا استطيع فهم هذه الحالة العربية فينا ، باصطفافنا مع او ضد اي جهة او قوة كانت ، وكأننا موضوعهم … نحن لا نشكل حتى مقدار شعرة على سيوفهم المسلولة امامنا في حروب على اراضينا ومواردنا ندفع من دمائنا اثمانها ومن حضارتنا وثقافتنا .

رأيي كان ولا يزال يحوم في محاولة حقيقية نحو بعض البراغماتيكية لفهم الامور وتأويلها. رأي قد أغيره بعد ساعة او سنة . ليس لتخبطي … ولكن لتخبط الوضع . فبالامس القريب كنت اؤيد “ربيع” سوريا على بشار ، واليوم اتمنى لبشار البقاء من اجل ما تبقى من سوريا. هذا لا يجعله بريئا ، ولا يخرجه من جرائمه ضد السوريين.

بالأمس كنت ضد ما يضمره اردوغان من مطامع عقائدية بها هواجس نرجسية القائد الاله، ولا زلت … ولكني لا استطيع ان ارى اردوغان الا من خلال تركيا في السنوات العشر الاخيرة بعيني انا ، لا عين الاتراك ، لا استطيع الا ان احترم واقدر واتمنى لو ان في الدول العربية قائد يقدم لبناء دولته ما قدم اردوغان . ولا زلت متفهمة ” وتركية” حتى النخاع عندما اسمع اصدقائي الاتراك الذين ينتقدون سياسته وتصرفاته بشدة ويمقتونه. وآعي تماما علاقته بإسرائيل العسكرية والاقتصادية ولكني اقدر مواقفه المعلنة تجاه القضية الفلسطينية لا لتصديقي لكلامه ، ولكن ، لأن مواقفه ورغم (انه من الارجح عدم صدقها) ، تفوق بالالاف المرات المواقف المعلنة والغير معلنة من القيادات العربية الاسلامية.

وكذلك موقفي تجاه بوتين . فأنا وبحق معجبة به كقائد . أظن ان العالم يحتاج الى هكذا كريزما وقوة وتحدي امام عنجهية امريكا. إعادة القوة لروسيا بعد الانهيار المبرمج عليها طيلة العقود الماضية ونهوضها لتسترجع مكانتها الدولية وبقوة امر افتخر به مع انني لست روسية ولا اكن اي مشاعر للروس ، ولكن بنفس الوقت تاريخ بوتين المليء بالدم مريب ومقلق وجرائمه لا تمسحها المواقف المختلفة.

ولكن انجرارنا نحوهم او ضدهم كأن بهم خلاصنا او هلاكنا هي المشكلة .. من قبل ولا زلنا نحن الفلسطينيون ، ننتظر من سيأتي ليحررنا ، ونرمي بهلاكنا على المتآمرين من العالم علينا .

نحن بحاجة للتعقل والمراجعة ….

كل احكامنا نطلقها من باب التطرف او التعصب للفكرة سواء معها او ضدها . لا يوجد في قاموسنا وسط. لا يوجد الا ذاك الآخر المتربص لنا ، او ذلك المخلص المطلق .

نيتشة قال ذات مرة : لا توجد حقائق ، هناك فقط تأويلات… ولربما طبعي النيتشي يقودني… ولكن نحن امة “اقرأ ” لا نقرأ ، ووصية النبي الكريم لنا ب”أحبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما ،وأبغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما ” بعيدة كل البعد عن حياتنا التي تحكمها الانفعالات ويسيطر عليها التعصب المطلق.

ناديا عصام حرحش