هل كان سيف الإسلام يعي ما يقول؟ ليبيا ونبوءة القذافي الابن

6 نوفمبر, 2015 - 19:57

*يمن برس - وكالات
خرج نجل القذافي سيف الإسلام على مواطنيه بعد أن اشتدت الاحتجاجات المناهضة لحكم والده في عام 2011 وتحولت إلى حرب مفتوحة ليقرأ مستقبل ليبيا راسما صورة قاتمة له.

حاول القذافي الابن أن يحذر الليبيين مما يجري، راسما صورة قاتمة لما سيأتي. إلا أن الوقت كان قد فات وعجلة العنف انطلقت بسرعة فائقة، وقطعت الأحداث المتسارعة المدعومة بقوات حلف الأطلسي الجوية خط الرجعة.

بدأ سيف الإسلام الذي ظهر ببدلة عصرية، حديثه متجهما قلقا. وحاول بقدر ما أن يتحدث بلغة جديدة لم يعهدها الليبيون من خلال إقراره بوجود معارضين لنظام والده وبوصفه ليبيا بأنها "أمة" ودولة.

عكست كلمة القذافي الابن سريالية المشهد الليبي وعبثيته حيث أكد في مستهلها أنه سيخاطب مواطنيه باللهجة الليبية، وأن كلمته ستكون مرتجلة ومن دون أفكار مجهزة مسبقا. قال ذلك وهو ينظر إلى مذكرة أمامه كان من الواضح أنها حملت النقاط الرئيسة لكلمته الشهيرة.

أكد نجل القذافي أن "البترول" هو الذي وحد ليبيا، مشيرا إلى أن الشركات الأمريكية كان لها دور كبير في ذلك، محذرا من أن الصراع الحتمي حوله سيؤدي إلى تقسيم البلاد وإلى حرب أهلية وإلى أن مصيره سينتهي إلى الحرق.

القذافي الابن "بشر" مواطنيه برجوعهم إلى أيام الفقر والضنك قبل اكتشاف النفط، وبانهيار التعليم والصحة، وبتحول البلاد إلى مجموعة من الإمارات والدويلات.

وحين استبد الانفعال بسيف الإسلام، شرع يلوح بإصبعه محذرا "أولادكم غدا لن يذهبوا إلى المدارس. لن يكون هناك جامعات ولا دقيق يؤكل ولا أموال في البنوك، وستضيع مدخراتنا، ستتم سرقتها ونهبها.. وسنهاجر من ليبيا!".

لم تلق تحذيرات نجل القذافي وخليفته المرتقب آنذاك آذانا صاغية، بل زادت من حنق الخصوم ورأى فيها المتحمسون للتغيير استفزازا فظا، ووصفوها بأنها مبالغات للتخويف من أجل استمرار نظام القذافي في السلطة. بل وعدّ الكثيرون تلويح القذافي الابن بإصبعه إهانة تستحق العقاب.

تواصل العنف بوتيرة أشد بعد تحذيرات القذافي الابن، واشتعلت معظم أرجاء ليبيا، وبدأت تخرج المنطقة تلو الأخرى عن السيطرة مع تدمير الغارات الجوية الكثيفة لقوات الناتو للجيش النظامي ولقواعده الجوية والبحرية والبرية.

وفي نهاية المطاف سقطت العاصمة طرابلس من دون قتال. اختفى القذافي الأب في مسقط رأسه سرت إلى أن قتل في 20 أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، فيما حاول سيف الإسلام الفرار إلى النيجر على ما يبدو، إلا أن مقاتلات الناتو تمكنت من إيقافه باستهداف رتله، ومن ثم وقع في الأسر.

سيف الإسلام القذافي بعد أسره وقطع أصابعه - ليبيا

ألقي القبض على القذافي الابن، وظهر منذ اللحظة الأولى وقد قطعت ثلاثة أصابع من يده اليمنى التي حذر بها الليبيين من الآتي. وبدا أن نبوءات سيف الإسلام، التي في الغالب جاءت نقاطها الرئيسة بوحي من الأب، لا مستقبل لها وأن تأثيرها ارتد على صاحبها بانهيار النظام ومقتل والده وثلاثة أشقاء له وسجن اثنين آخرين وتشريد البقية وقطع ثلاثة من أصابعه.

عادت تحذيرات القذافي الابن إلى الأذهان مع التدهور المتسارع للأوضاع في ليبيا بعد سقوط النظام، وتحققت كل "الظنون" والمخاوف التي عبّر عنها، بل وفي صورة أشد قتامة مما رسمه سيف الإسلام في بداية الأحداث.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن معظم التلاميذ والطلاب في ليبيا لا يذهبون إلى المدارس والجامعات، وإلى أن أغلب المستشفيات متوقفة، وقد أحرق النفط أكثر من مرة، وقطعت إمداداته مرات عديدة، ودار حول موانئه اقتتال عنيف تواصل شهورا، وتعرضت حقوله مرات إلى هجمات مسلحة.

واختفت الأموال بالفعل من البنوك، وتضاءلت مدخرات الدولة بصورة خطيرة نتيجة للنهب واستنزاف الخزانة العامة لمصالح قبلية وفئوية وأيديولوجية، بل وفقدت العملة المحلية قيمتها، واقترب سعر الدولار الأمريكي الواحد من 4 دنانير ليبية، وارتفعت الأسعار بصورة جنونية، وانهارت الخدمات الأساسية بما في ذلك التزويد بالوقود وبغاز الطهي، إضافة إلى التدمير المتواصل في بنغازي والذي أحال أحياء فيها إلى ركام.

بل وتحقق ما حذر منه القذافي الابن من انقسام ليبيا وتحولها إلى دويلات وإمارات، فها هي سرت ذاتها مسقط رأس القذافي تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" ودرنة تابعة لتنظيم مرتبط بالقاعدة ومصراتة والزنتان وورشفانة وطبرق وطرابلس وغيرها تدار كجزر معزولة.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ لا تزال في نبوءات سيف الإسلام بقية لم تتحقق بعد، وتتمثل في عودة الاستعمار وتدخل الأمريكيين والأوروبيين عنوة وإرسالهم الأساطيل لمنع تحول ليبيا إلى قاعدة للهجرة غير الشرعية وللتطرف.

يصر أغلب المثقفين المناهضين للقذافي على تحميل نظامه المسؤولية عن كل ما حدث ويحدث بل وما سيحدث من مآسي بالبلاد، مشيرين إلى ما يصفونها بالسياسات الخاطئة والمتهورة طيلة 42 عاما من الاستبداد والهيمنة وضرب مؤسسات الدولة والتجهيل وتغذية العداوات القبلية.

بالمقابل، باتت أعداد متزايدة من الليبيين تتحسر على الاستقرار والأمن والرخاء النسبي الذي كان سائدا في عهده، بل لحق الندم أعدادا من خصوم القذافي على مشاركتهم فيما بات واضحا الآن أنه ربيع مسموم ولا أفق له.

*محمد الطاهر